وقال قتادة: (استنفر الله المؤمنين في لَهَبَان الحرِّ في غزوة تبوك قِبَلَ الشام، على ما يعلم الله من الجَهْد).
فالمعنى: إن رضيتم - معشر المؤمنين - بالحياة الدنيا ودَعتها، ونكلتم عن الخروج إلى الجهاد في سبيل الله فقد توعدكم ربكم بعذاب موجع، وما أنتم بترككم الجهاد بضارِّيه شيئًا، بل هو القادر سبحانه أن يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
أخرج أبو داود في السنن، بسند صحيح، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: [إذا تبايَعْتُمْ بالعِينة، وأخذْتم أذناب البقر، ورضيتم بالزَّرْع، وتَرَكْتُم الجهادَ، سلَّطَ الله عليكم ذُلَّا لا يَنْزِعُهُ حتى ترجعوا إلى دينكم] (١).
٤٠. قوله تعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠)﴾.
في هذه الآية: يقول تعالى ذكره: إنكم إنْ لا تنصروا هذا النبي - أيها الناس - فقد تكفل الله بنصره، فقد أخرجه كفار مكة هو وصاحبه، فنزلا مختفيين في الغار، وأعمى الله عنهما الأبصار، وأنزل تعالى عليه الطمأنينة والأمان، وأيّده بالجنود الكرام، وجعل كلمة الكفار السفلى، وكلمة الله هي العليا، والله عزيز في انتقامه، حكيم في قضائه.
فقوله: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾.
قال مجاهد: (ذكر ما كان في أول شأنه حين بُعث، فالله فاعلٌ به كذلك، ناصره كما نصره إذ ذاك، ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾).