وقوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾.
قال ابن عباس: (فهذا تعييرٌ للمنافقين حين استأذنوا في القُعود عن الجهاد من غير عُذْر، وعذَرَ الله المؤمنين فقال: ﴿لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ [النور: ٦٢]).
والآية في فضح بعض مسالك المنافقين في الاعتذار الكاذب لئلا يخرجوا إلى الجهاد والله عليم بمن خافه واتقاه وسارع إلى طاعته وامتثال أوامره.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾.
أي: إنما يستأذنك - يا محمد - في القعود عن الجهاد - ممن لا عذر له - الذين لا يثقون بالله ولا يرجون ثوابه ورضوانه في الدار الآخرة، بل هم في شك وحيرة وريبة يتخبطون.
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾.
أي: ولو أرادوا الخروج معك - يا محمد - بصدق إلى الغزو لكانوا أخلصوا في التأهب والاستعداد، أمَا وقد كذبوا النية في ذلك فأبغض الله خروجهم فأخرهم وثبّط هممهم وعزائمهم وقيل اقعدوا مع المرضى والعجزة والضعفاء الذين لا يجدون ما ينفقون ومع النساء والصبيان المعذورين، فإنه من لم يؤيّده الله بالقوة والعزيمة والثبات فلا سبيل له إلى ذلك.
وقوله: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ﴾.
قال النسفي: (ما زادوكم بخروجهم معكم ﴿إِلَّا خَبَالًا﴾ إلا فسادًا وشرًا، والاستثناء متصل، لأن المعنى ما زادوكم شيئًا إلا خبالًا، والاستثناء المنقطع أن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه، كقولك: "ما زادوكم خيرًا إلا خبالًا" والمستثنى منه في هذا الكلام غير مذكور، وإذا لم يذكر وقع الاستثناء من الشيء فكان استثناء متصلًا لأن الخبال بعضه. ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ﴾ ولسعوا بينكم بالتضريب والنمائم وإفساد ذات البين).
وقال ابن جرير: ("ولأوضعوا بينكم"، يقول: ولأسرعوا بركائبهم السَّير بينكم).