في غزوة تبوك في مجلس يومًا: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء لا أرغبَ بطونًا ولا أكذبَ ألسنة ولا أجبنَ عند اللقاء. فقال رجل في المجلس: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله - ﷺ -، فبلغ ذلك النبي - ﷺ - ونزل القرآن. قال عبد الله: فأنا رأيته متعلقًا بِحَقَبِ ناقة رسول الله - ﷺ - تنكبُهُ الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله - ﷺ - يقول: ﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾] (١).
زاد ابن جرير في رواية: (﴿لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ الآية).
وقوله: ﴿لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾.
أي بما صدر منكم من قول واستهزاء.
وقوله: ﴿إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً﴾، قال ابن كثير: (أي: لا يُعْفَى عن جميعكم، ولا بد من عذاب بعضكم).
وقال النسفي: (﴿إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ﴾ بتوبتهم وإخلاصهم الإيمان بعد النفاق ﴿نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ مصرين على النفاق غير تائبين منه).
أخرج البخاري في "الأدب المفرد"، وأحمد في المسند، بإسناد صحيح، عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: [ارحموا ترحموا واغفروا يغفر لكم، وويل لأقماع القول، وويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون] (٢).
قال الزمخشري: ("ويل لأقماع القول": وهم الذين يستمعون ولا يعون) - فهو مَجَاز -. والأقماع: جمع قِمْع، وهو الإناء يجعل في رأس الظرف ليملأ بالمائع.
قال الألباني: (شبه استماع الذين يستمعون القول ولا يعونه ولا يعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئًا مما يفرغ فيها، فكأنه يمر عليها مجتازًا كما يمر الشراب في القمع).
وأخرج الطبراني في "المعجم الكبير" بسند حسن لشواهده، من حديث جرير

(١) أخرجه ابن أبي حاتم ورجاله رجال الصحيح، إلا هشام بن سعد فلم يخرج له مسلم إلا في الشواهد كما في الميزان، وأخرج الطبري - في التفسير - نحوه (١٦٩٢٨)، وانظر: الصحيح المسند من أسباب النزول - سورة التوبة، آية (٦٥) -.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (٣٨٠)، وأحمد في المسند (٢/ ١٦٥)، (٢/ ٢١٩)، وعبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (٤٢/ ١) وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات. وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة - حديث رقم - (٤٨٢).


الصفحة التالية
Icon