بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠)}.
في هذه الآيات: تشبيه الله تعالى حال هؤلاء المنافقين بحال من مضى على منهاجهم في الأمم قبلهم، أصابهم عذاب الله لما تمادوا رغم ما كانوا عليه من البأس والقوة ووفرة الأموال والأولاد، فكُلٌّ أَخَذَ نصيبه من متاع هذه الدنيا والخوض بالكذب والباطل ومحاربة منهاج النبوة، حتى بطلت الأعمال وحَقّت كلمة العذاب والخسارة.
ألم يكن لهؤلاء المنافقين الذين اختاروا إسرار الكفر والمكر برسول الله والمؤمنين عبرة في خبر الأمم الماضية من قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين وقوم لوط حين كذبوا رسلهم وتمادوا بالباطل والمنكر، فدكهم الله بالهلاك والعذاب، وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
فقوله: ﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾، أي من الأمم الماضية، ﴿كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا﴾، أي أصابهم عذاب الله لما طغوا واستهزؤوا رغم القوة والعدد والعتاد، وكثرة الأموال والأولاد.
قال عكرمة: قال ابن عباس: (ما أشبه الليلة بالبارحة! ﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾، هؤلاء بنو إسرائيل، شَبَّهَنا بهم، لا أعلم إلا أنه قال: والذي نفسي بيده، لتَتَّبِعُنَّهم حتى لو دخل الرجل منهم جُحْر ضَبٍّ لدخلتموه).
وقوله: ﴿فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ﴾. قال الحسن البصري: (بدينهم).
وقال ابن جرير: (يقول: فتمتعوا بنصيبهم وحظهم من دنياهم ودينهم، ورضوا بذلك من نصيبهم في الدنيا عوضًا من نصيبهم في الآخرة. ﴿فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ﴾. قال: وقد سلكتم، أيها المنافقون، سبيلهم في الاستمتاع بخلاقكم. يقول: فعلتم بدينكم ودنياكم، كما استمتع الأمم الذين كانوا من قبلكم، الذين أهلكتهم بخلاف أمري، ﴿بِخَلَاقِهِمْ﴾، يقول: كما فعل الذين من قبلكم بنصيبهم من دنياهم ودينهم، ﴿وَخُضْتُمْ﴾، في الكذب والباطل على الله، ﴿كَالَّذِي خَاضُوا﴾، يقول: وخضتم أنتم أيضًا، أيها المنافقون، كخوض تلك الأمم قبلكم).
وقوله: ﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾.
قال ابن كثير: (أي: بطلت مَساعيهم، فلا ثواب لهم عليها لأنها فاسدة).