وقال أبو رزين: (﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا﴾، قال: في الدنيا، فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاءً لا ينقطع. فذلك الكثير).
أخرج الحاكم بسند حسن عن أبي موسى، عن النبي - ﷺ - قال: [إن أهل النار ليَبْكُون، حتى لو أُجْريت السفن في دموعهم جَرَت، وإنهم ليبكون الدم] (١).
ورواه في شرح السنة عن أنس، عن النبي - ﷺ - قال: [يا أيها الناس! ابكوا فإن لم تستطيعوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون في النار حتى تسيل دموعهم في وجوههم، كأنها جداول، حتى تنقطع الدموع، فتسيل الدماء، فتقرّح العيون، فلو أن سُفُنًا أُزْجِيَتْ فيها لجرت]. "أزجيت" أي: أرسلت.
وله شاهد عند ابن ماجه من حديث أنس مرفوعًا: [يُرسل البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يبكون الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة الأخدود، لو أرسلت فيه السفن لجرت] (٢).
وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾.
قال ابن عباس: (والخالفون الرجال).
قال قتادة: (قوله: ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ﴾، إلى قوله: ﴿فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾، أي: مع النساء. ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلًا من المنافقين، قيل فيهم ما قيل).
وقوله ابن عباس في المخالفين أرجح، أنهم الرجال الذين نافقوا، ولا معنى لذكر النساء، وهو اختيار ابن جرير.
والمعنى: فإن ردّك الله - يا محمد - من غزوتك هذه واستأذنك هؤلاء المنافقون في الخروج معك إلى غزوة أخرى فلا تقبل منهم أبدًا، بأنهم رضوا في التخلف أول مرة نفاقًا وإيثارًا للدعة وزينة الحياة الدنيا وليقعدوا مع المنافقين المتخلفين.

(١) حديث حسن. أخرجه الحاكم (٤/ ٦٠٥) - على شرط الشيخين -. وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة - حديث رقم - (١٦٧٩).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٤٣٢٤)، وابن أبي الدنيا في "صفة النار" (ق ١٢/ ١)، وانظر المرجع السابق، وأخرجه أبو يعلى (٤١٣٤)، وانظر مستدرك الحاكم (٤/ ٦٠٦)، والحديث حسن لشواهده.


الصفحة التالية
Icon