وفي لغة العرب: تمرّد فلان إذا عتا ومرنَ على معصيته واعتادها.
قال الرازي: (المرود على الشيء المُرون عليه. قال: والماردُ العاتي).
وقوله: ﴿لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾، كقوله في سورة الأنفال: ﴿لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾.
قال ابن كثير: (وقوله: ﴿لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾، لا ينافي قوله تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ [محمد: ٣٠].. الآية. لأن هذا من باب التوسّم فيهم بصفات يُعْرَفون بها، لا أنه يعرف جميع من عنده من أهل النفاق والريب على التعيين. وقد كان يعلم أن في بعض من يخالطه من أهل المدينة نفاقًا، وإن كان يراه صباحًا ومساء).
وقوله: ﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ - فيه أقوال متكاملة:
١ - قال السدي عن أبي مالك: (كان رسول الله - ﷺ - يخطب فيذكر المنافقين، فيعذبهم بلسانه. قال: وعذاب القبر).
٢ - وقال مجاهد: ﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾، قال: القتل والسِّبَاء). أو قال: (بالجوع وعذاب القبر). أو قال: (الجوع والقتل). وقال يحيى: (الخوف والقتل).
٣ - قال قتادة: (﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾، قال: عذابًا في الدنيا، وعذابًا في القبر).
٤ - وقال ابن زيد: (أما عذابٌ في الدنيا، فالأموال والأولاد. وقرأ قول الله: ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [التوبة: ٥٥]، بالمصائب فيهم، هي لهم عذاب، وهي للمؤمنين أجر. قال: وعذاب في الآخرة، في النار، ﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾، قال: النار).
وقوله: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾.
هو في حال المذنبين المتأخرين عن الجهاد كسلًا وميلًا إلى الراحة، مع إثبات الإيمان لهم، فالأولون هم المنافقون المتخلفون عن الغزو شكًا وتكذيبًا، وهؤلاء هم المؤمنون المتخلفون كسلًا وتشاغلًا؛ فقد اعترفوا بالذنوب وأقروا بها، ولهم من الأعمال الصالحة ما يجعلهم تحت عفو الله ورحمته. والآية عامة في جميع المذنبين المخلطين، وإن كانت نزلت في أناس معينين، وكل "عسى" في القرآن حق.
وفي صحيح البخاري - عند تفسير هذه الآية - عن سَمُرَة بن جُندب رضي الله عنه