وذكر قتادة بإسناد صحيح مرسل أن عبد الرحمن بن عوف أنفق ألفي درهم، وهي نصف أمواله، في تجهيز جيش العسرة (١).
كما أنفق أبو بكر وعمر والعباس وطلحة وسعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة وغيرهم أموالًا كبيرة، وجاء الفقراء بما استطاعوا ولم يوفروا اليسير الذي عندهم، فتعرضوا للمز المنافقين.
وقوله: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾، فيه أقوال:
١ - قيل: هم نفر من أصحاب رسول الله - ﷺ - بعثهم إلى البوادي يعلمون الناس الإسلام. فلما نزل قوله: ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ﴾ انصرفوا عن البادية خشية دخولهم في تحذير الآية.
قال مجاهد: (ناس من أصحاب محمد - ﷺ -، خرجوا في البوادي، فأصابوا من الناس معروفًا، ومن الخصب ما ينتفعون به، ودَعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى، فقال الناس لهم: ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتمونا! فوجدوا في أنفسهم من ذلك حرجًا، وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي - ﷺ -، فقال الله: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾، يبتغون الخير، ﴿لِيَتَفَقَّهُوا﴾، وليسمعوا ما في الناس، وما أنزل الله بعدهم، ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾، الناس كلهم، ﴿إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾).
٢ - قيل: المعنى: ما كان المؤمنون لينفروا جميعًا إلى عدوهم، ويتركوا نبيّهم - ﷺ - وحده.
قال ابن زيد: (﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾، قال: ليذهبوا كلهم، فلولا نفر من كل حي وقبيلة طائفة، وتخلف طائفة، ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾، ليتفقه المتخلفون مع النبي - ﷺ - في الدين، ولينذر المتخلفون النافرين إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) - وهو اختيار ابن جرير.
٣ - قيل: بل المعنى: لو كانوا مؤمنين لم ينفروا جميعهم بل هم منافقون، وهذا قول بعيد.
٤ - قيل: بل هو تكذيب من الله لمنافقين أزْرَوا بأعراب المسلمين وغيرهم في