النَّعِيمِ (٩) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠)}.
في هذه الآيات: إخبار من الله تعالى عن بعض آياته الكبيرة الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه، فقد جعل شعاع الشمس ضياء وجعل سلطانها بالنهار، وجعل شعاع القمر نورًا وجعل سلطانه بالليل، وقدّر القمر منازل لحساب أوقات السنين وعدد الأيام ومعرفة مواسم الخير، خلق ذلك كله بالحق لقوم يعلمون. إن في تعاقب الليل والنهار وما أبدع الله من الخلق في أرجاء السماوات والأرض لآيات للمتقين. إنَّ الذين اختاروا الركون إلى هذه الحياة الدنيا الزائلة وتجاهل الحياة الآخرة الباقية وما وجب في حق الله عليهم لمآلهم إلى نار الجحيم. وأما المؤمنون الذين عملوا الصالحات فيرشدهم ربهم يوم القيامة إلى منازلهم في جنات النعيم. ينطقون بالتسبيح ويُحيون بالسلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
فقوله: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً﴾ - أي للعالمين بالنهار. ﴿وَالْقَمَرَ نُورًا﴾ - أي لهم بالليل.
قال القاسمي: (والضياء أقوى من النور). و ﴿وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ﴾ - أي القمر. قال ابن كثير: (فأول ما يبدو صغيرًا ثم يتزايد نوره وجرمُه، حتى يستوسقَ ويكمُلَ إبدارُه، ثم يشرع في النقص حتى يرجع إلى حاله الأول في تمام شهر).
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٣٩، ٤٠].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام: ٩٦].
وقوله: ﴿لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ - فبحركة الشمس تُعرف الأيام، وبمنازل القمر ومسيره تُعرف الشهور والأعوام. قال القاسمي: (لكون منازله معلومة محسوسة، وتعلق أحكام الشريعة به، وكونه عمدة في تواريخ العرب ﴿لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ أي حساب الشهور والأيام، مما نيطَ به المصالح في المعاملات والتصرفات).
وقوله: ﴿مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقّ﴾. أي: ما كان هذا النظام البديع في الخلق عن عبث، بل من ورائه حكمة بالغة وحجة من الله تعالى على خلقه.