[ثم تلا هذه الآية: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾]. وفي لفظ عند أحمد: [فيُكشَفُ الحجابُ، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحبَّ إليهم من النظر إليه ولا أقرَّ لأعينهم].
وقوله: ﴿وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ﴾.
القتر: الغبار، جمع قَتَرة، والذلة: الهوان. قال ابن عباس: (﴿وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ﴾، قال: سوادُ الوجوه). وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: (﴿وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ﴾، قال: بعد نظرهم إلى ربهم). والمقصود كما قال ابن جرير: (لا يغشى وجوههم كآبة، ولا كسوف، حتى تصيرَ من الحُزن كأنما علاها قترٌ).
وقوله: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾. أي: هؤلاء الموصوفون بما ذُكر، هم سكان الجنة وأهلها، وهم ماكثون فيها أبدًا لا يخافون زوال نعمة أو تنغيص لذة.
وقوله: ﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾. قال ابن عباس: (تغشاهم ذلة وشدّة). قال القرطبي: (ومعنى هذه المِثلية أن ذلك الجزاء مما يعدّ مماثلًا لذنوبهم، أي هم غير مظلومين، وفعل الرب - جلت قدرته وتعالى شأنه - غير معلَّل بعلة).
والخلاصة: الجزاء لأهل السيئات بالمثل ويعتريهم هوان وخزي من هول ما ينتظرهم.
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى: ٤٥].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾ [إبراهيم: ٤٢، ٤٣].
وقوله: ﴿مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾. أي: لا يحول بينهم وبين عقاب الله أحد.
قال النسفي: (أي لا يعصمهم أحد من سخطه وعقابه).
وقوله: ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا﴾. قال ابن كثير: (إخبار عن سواد وجوههم في الدار الآخرة).