معروفًا ولا يُنْكر منكرًا، إلا ما أشربَ من هواه] (١).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾. قال ابن كثير: (أخبر تعالى أنه لا يظلم أحدًا شيئًا، وإن كان قد هدى به من هدى وبَصَّرَ به من العمى، وفتحَ به أعينًا عُميًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غلفًا، وأضلَّ به عن الإيمان آخرين، فهو الحاكم المتصرف في ملكه بما يشاء، الذي لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، لعلمه وحكمته وعَدْلِه).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر عن النبي - ﷺ - فيما يرويه عن ربه عزَّ وجل: [يا عبادي، إني حَرَّمت الظلم على نفسي، وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا فلا تظالموا... - إلى أن قال - يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسه] (٢).
٤٥ - ٤٧. قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٤٧)﴾.
في هذه الآيات: إخبار من الله تعالى عن إقرار الناس يوم الحشر أنهم ما لبثوا في هذه الحياة الدنيا إلا ساعة من نهار يتعارفون بينهم، لقد خسر يومئذ المكذبون وما كانوا راشدين. فإما نرينك - يا محمد - في حياتك خزي هؤلاء المشركين أو توفيناك قبل ذلك فإن مرجعهم إلينا والله شهيد على ما يفعلون. إنه ستعرض كل أمة على الله بحضرة رسولها والفصل يومئذ بالعدل وهم لا يظلمون.
فقوله: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ﴾. أي: ما لبثوا في دنياهم إلا قدر ساعة. قال ابن عباس: (رأوا أن طول أعمارهم في مقابلة الخلود كساعة).

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في صحيحه (١/ ٨٩ - ٩٠). وانظر مختصر صحيح مسلم (١٩٩٠) كتاب الفتن. باب: عرض الفتن على القلوب ونكتها فيها.
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (٢٥٧٧)، وأحمد في المسند (٥/ ١٦٠)، والترمذي في الجامع (٢٤٩٥)، وابن ماجه في السنن (٤٢٥٧).


الصفحة التالية
Icon