سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا} [الأحزاب: ٦٧] الآية. قال: فأمّا قوله: ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾، وقوله: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ﴾ [المؤمنون: ١٠١] فمعناه لا يسأله سؤال رحمة وشفقة، والله أعلم. قال: وقيل: القيامة مواطن. وقيل: معنى ﴿يَتَعَارَفُونَ﴾ يتساءلون، أي يتساءلون كم لبثتم، كما قال: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [الصافات: ٢٧]، وهذا حسن).
قلت: وكل ما سبق بيانه من آفاق معنى قوله تعالى: ﴿يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾.
وقوله: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾. أي: قد خسر هؤلاء المجرمون والمشركون والمكذبون أنفسهم وأهليهم، وفُرِّقَ بينهم وبين أحبتهم يوم القيامة، إذ أصروا على الكفر بلقاء الله وما كانوا بذلك مصيبين رشدهم.
وقوله: ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾. قال مجاهد: (﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ من العذاب في حياتك، ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ قبل، ﴿فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾).
أي: يقول تعالى: إن أريناك - يا محمد - في حياتك بعض ما نعد هؤلاء المشركين من قومك من الخزي والعذاب أو توفيناك قبل ذلك فإن مآلهم لا محالة إلينا. ﴿ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ﴾ - أي هو سبحانه شاهد على أعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا ولا يخفى عليه منها شيء، والميزان سيزن تلك الأعمال ليروا مصيرهم بعد ذلك.
وقوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾. قال مجاهد: (﴿فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ﴾ يوم القيامة ﴿قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾، قال: بالعدل). قال ابن كثير: (فكلّ أمة تُعرض على الله بحضرة رسولها، وكتابُ أعمالها من خير وشَرٍّ موضوع شاهدٌ عليهم، وحَفَظتهم من الملائكة شهودٌ أيضًا، أمة بعد أمة، وهذه الأمةُ الشريفة وإن كانت آخر الأمم في الخلق إلا أنها أولُ الأمم يوم القيامة يُفْصَلُ بينهم، ويُقضى لهم. كما جاء في الصحيحين عن رسول الله - ﷺ - أنه قال: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، المقضيُّ لهم قبل الخلائق". فأمته إنما حازت قَصَب السَّبْقِ لشرفِ رسولها، صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين).
قلت: بل أمة محمد - ﷺ - هي الشاهدة للرسل بالبلاغ حين يكذب الأقوام رسلهم في أرض المحشر، ثم يقبل الله شهادة هذه الأمة ويعذِر الرسل صلوات الله وسلامه عليهم في بلاغهم أقوامهم - وهو أعلم بهم - ويقضي بينهم وبين أممهم بالقسط وهم لا يظلمون.
أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي - ﷺ - قال:


الصفحة التالية
Icon