وقوله تعالى: ﴿وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ﴾. أي: ما ظن الذين يتجرؤون على الله بالتحليل والتحريم دون علم، بل يفترون الكذب ويمضون حسب أهوائهم يَضلون! هل يظنون أنهم يفلتون من عقاب الله وغضبه؟. قال ابن جرير: (﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ﴾ يقول: إن الله لذو تفضُّل على خلقه، بتركه معاجلة من افترى عليه الكذب بالعقوبة في الدنيا، وإمهاله إياه إلى وروده عليه في القيامة، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ﴾، يقول: ولكن أكثر الناس لا يشكرونه على تفضّله عليهم بذلك، وبغيره من سائر نعمه).
وقوله: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾. أي: وما تكون - يا محمد - في حال أو عمل أو في قراءة من كتاب الله، أو أنتم كذلك - أيها الناس - فإنكم لا تعملون من عمل إلا وأنتم تحت مراقبة الله فهو ينظر سبحانه إلى أعمالكم ويشهد شؤونكم. قال ابن عباس: ﴿إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ يقول: إذ تفعلون).
وقوله: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.
خَبَرٌ من الله تعالى عن نفسه أنه شاهد لصغائر ودقائق أعمال عباده وما يجري في ملكه فقد علم كل شيء وكتبه في اللوح المحفوظ.
وفي لغة العرب: عَزَبَ فلان عن أهله إذا بَعُدَ وغاب. والمقصود أن الله تعالى لا يغيب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، بل يعلم سبحانه السر وأخفى.
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: ٦].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٥٩].
٣ - وقال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام: ٣٨].


الصفحة التالية
Icon