أرضه، وهو قوله تعالى: ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧]، وجاوزت بنو إسرائيل البحر، فلما انتهى فرعون إلى حافة البحر الأخرى اقتحم بجيوشه لينفذ قدر الله فيه، فأمر الله البحر فارتطم بأمواجه فوقهم فما نجا منهم أحد، وجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم، وغشيت فرعون سكرات الموت فقال عندئذ: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ ولكنه آمن حيث لا ينفعه الإيمان، سنة الله فيه وفي أمثاله، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾.
وقوله تعالى: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾. قال ابن جرير: (الآن، تقرّ لله بالعبودية، وتستسلم له بالذلة، وتخلص له الألوهة، وقد عصيته قبل نزول نقمته بك، فأسخطته على نفسك، وكنت من المفسدين في الأرض، الصادِّين عن سبيله؟ فَهَلّا وأنت في مَهَلٍ، وباب التوبة لك منفتح، أقررت بما أنت به الآن مقرٌّ؟ ).
أخرج الإمام أحمد والترمذي بسند صحيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله - ﷺ -: [لما أغرق الله فرعون قال: آمنتُ أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، قال جبريل: يا محمد! فلو رأيتني وأنا آخِذٌ من حالِ البحر فأدُسُّهُ في فيهِ، مخافةَ أن تدركه الرحمة] (١). وحال البحر: هو الطين الأسود، والتراب اللين، وفي رواية: (من حمأِ البحر).
وقوله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾ قال مجاهد: (﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ﴾ قال: بجسدك). وقال عبد الله بن شداد: (جسده رمى به البحر). وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: (لما جاوز موسى البحر بجميع من معه، التقى البحر عليهم - يعني: على فرعون وقومه - فأغرقهم، فقال أصحاب موسى: إنا نخاف أن لا يكون فرعون غرق، ولا نؤمن بهلاكه. فدعا ربّه فأخرجه فنبذه البحر، حتى استيقنوا بهلاكه).- والله تعالى أعلم. وقال الحسن: (﴿بِبَدَنِكَ﴾: بجسم لا روحَ فيه). قلت: والذي لا شك فيه أن الله تعالى