حَوران كبصرى وغيرها من البلدان بناءات هائلة محكمة، وعَبَدُوا الصليب من حينئذ، وصَلُّوا إلى المشرق، وصَوَّروا الكنائس، وأحلُّوا لحم الخنزير، وغير ذلك مما أحدثوه من الفروع في دينهم والأصول، ووضعوا له الأمانةَ الحقيرة التي يسمونها الكبيرة، وصَنَّفوا له القوانين، وبسطُ هذا يطول. والغَرَضُ أن يَدَهُمْ لم تزل على هذه البلاد إلى أن انتزعها منهم الصحابة - رضي الله عنهم - وكان فتحُ بيتِ المقدس على يَدَي أمير المؤمنين عُمرَ بن الخطاب، رضي الله عنه، ولله الحمد والمنة).
والخلاصة: أَنَّ الله تعالى صدق بني إسرائيل النصر حين صدقوه، فلما ركبوا الأهواء وتفرقوا وخاضوا في شهواتهم سلط الله عليهم الذل في الأرض، وهذا درس بليغ لهذه الأمة ألا تحذو حذوهم.
أخرج الإمام أحمد وأبو داود بسند حسن عن أبي عامر عبد الله بن لُحَيّ قال: حججنا مع معاوية بن أبي سفيان، فلما قدمنا مكة، قام حين صلى صلاة الظهر فقال: إن رسول الله - ﷺ - قال: [إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين مِلّة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين مِلَّة - يعني الأهواء - كلها في النار إلا واحدة - وهي الجماعة - وإنه سيخرج في أمتي أقوام تُجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى منه عِرْقٌ ولا مَفْصِلٌ إلا دخله. والله - يا معشر العرب - لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم - ﷺ - لغيركم من الناس أحرى أن لا يقومَ به] (١).
وأخرج أبو داود وابن ماجه بسند حسن عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - ﷺ -: [افترقت اليهود على إحدى أو ثِنْتين وسبعين فِرْقَةً، وتَفرَّقت النَّصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فِرْقَةً، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة] (٢).
ورواه الحاكم وفيه: [أن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فِرقة، وأن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، منها واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار. قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي].
(٢) حسن صحيح. أخرجه أبو داود في السنن (٤٥٩٦) - كتاب السنة، باب شرح السنة. وانظر صحيح سنن أبي داود - حديث رقم - (٣٨٤٢)، ورواه الحاكم وغيره، وله شواهد.