وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي اللهُ عَنْهُما قال: [خرج علينا النبي - ﷺ - يومًا فقال: عُرِضَتْ عليَّ الأُمَمُ فجعلَ يمرُّ النبيُّ معهُ الرَّجُل، والنبي معهُ الرَّجُلان، والنبيُّ معهُ الرَّهْطُ، والنَّبيُّ ليسَ معه أحد..] الحديث (١).
ولا شكَ أن أمة محمد - ﷺ - أكثر تلك الأمم إيمانًا واتباعًا لرسولها - ﷺ -، فهي لكثرتها تسد الخافقين الشرقي والغربي يوم القيامة، ويليها أمة موسى - عليهِ الصلاة والسلام - كما يدل على ذلكَ تتمة الحديث السابق.
وعن السدي: (﴿وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ - إلى أجلهم). وعن عباس قال: (إلى أن يصيروا إلى الجنةِ أو إلى النار).
قال ابن جرير: (يقول: وأخرّنا في آجالهم ولم نعاجلهم بالعقوبةِ، وتركناهم في الدنيا يستمتعون فيها بآجالهم إلى حين مماتهم، ووقت فناء أعمارهم التي قضَيْتُ فَنَاءها).
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾.
هو في المشيئةِ الإذنية، فإن المشيئة كما وردت في القرآن والسنة ثلاثة أقسام:
أولًا: المشيئة الكونية: وهي نوعان: أ - المشيئة الإجبارية. ب - المشيئة الإذنية.
ثانيًا: المشيئة الشرعية. (الأمر والنهي - الثواب والعقاب).
ثالثًا: المشيئة المشتركة.
وقد فصلت ذلكَ في كتابي: "أصل الدين والإيمان - عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان"، فلله الحمد والمنة.
والمقصود هنا أنه لا أحد اختار الإيمان رغم مشيئة الله، ولا أحد اختار الكفر رغم مشيئة الله، بل الكل داخل في اختياره تحت مشيئته سبحانه، فلا يستطيعُ أحد أن يخرجَ بإرادتهِ ومشيئته عن إرادة الله ومشيئته عز وجل.
ففي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٦٤].