٢ - قال قتادة: (أحكمها الله من الباطل، ثم فصلها بعلمه، فَبيَّنَ حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته). وقال مجاهد: ﴿فُصِّلَتْ﴾، قال: فُسِّرت).
قال ابن كثير: (﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾، أي: هي محكمة في لفظها، مُفَصَّلةٌ في معناها، فهو كامل صورة ومعنى).
وقال ابن جرير: (معناه: أحكم الله آياته من الدَّخل والخَلَل والباطل، ثم فَصَّلها بالأمر والنهي. وأما قوله: ﴿مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ فإن معناه: ﴿حَكِيمٍ﴾، بتدبير الأشياء وتقديرها، ﴿خَبِيرٍ﴾، بما تؤول إليه عواقبُها). وعن قتادة: (﴿مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾، يقول: من عند حكيم خبير).
قلت: والإحكام يشمل إحكام الآيات من الدَّخل والخلل والباطل، وإحكام منهج بيان هذه الآيات لمقاصد الشريعة، ثم فصلت قواعد الحلال والحرام، وأمور الثواب والعقاب.
وقوله تعالى: ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾.
أي: إن هذا القرآن الذي أحكم منهاجه وفصلت آياته قد نزل لعبادة الله وحده وإفراده سبحانه بالتعظيم. قال النسفي: (﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ أي لئلا تعبدوا، أو أن مفسرة). والتقدير: قال لا تعبدوا إلا الله، أو أمركم ألا تعبدوا إلا الله. قال القاسمي: (وقوله تعالى: ﴿إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ كلام على لسان الرسول، أي إنني أنذركم، من الحكيم الخبير، عقابَ الشرك وتبعته، وأبشركم منه بثواب التوحيد وفائدته).
وقوله: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾. أَمْرٌ من الله تعالى بالاستغفار من الذنوب السالفة والتوبة منها فيما يُستقبل، فإنكم إذا فعلتم ذلك قابلكم ربكم سبحانه ببسط العيش وَزينَتِه، والاستمتاع في العمر بطاعة الله، وما يؤدي إليها من العمل الصالح. قال قتادة: (﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾: وهو الموت). قال ابن جرير: (فإنكم إذا فعلتم ذلك بسط عليكم من الدنيا، ورزقكم من زينتها، وأنسأ لكم في آجالكم إلى الوقت الذي قضى فيه عليكم الموت).
وعن مجاهد: (﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾، قال: ما احتسب به من ماله أو عمل بيده أو رجله أو كلمة، أو ما تطوَّع به من أمره كله).
أي يثيب كل من تفضل بعمل صالح مِنْ مَالِهِ أو قوته أو جهده على غيره، وهو يحتسب ذلك عند الله تعالى، فإن الله سبحانه قد وعد أهل الفضل بجزيل الثواب.