وقوله تعالى: ﴿قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾.
قال ابن جرير: (قال يعقوب لابنه يوسف: ﴿يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ﴾، هذه، ﴿عَلَى إِخْوَتِكَ﴾، فيحسدوك، ﴿فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾، يقول: فيبغوك الغوائل، ويناصبوك العداوة، ويطيعوا فيك الشيطان، ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾، يقول: إن الشيطان لآدم وبنيه عدوٌّ، قد أبان لهم عداوته وأظهرها. يقول: فاحذر الشيطان أن يغرِيَ إخوتك بك بالحسد منهم لك، إن أنت قصصت عليهم رؤياك).
وعن السدي قال: (نزل يعقوب الشأم، فكان همُّهُ يوسف وأخاه، فحسده إخوته لما رأوا حبَّ أبيه له. ورأى يوسف في المنام كأن أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رآهم ساجدين، فحدث أباه بها، فقال: ﴿قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾، الآية).
قلت: وهذا النظر العميق من يعقوب عليه الصلاة والسلام يدل على سعة علم النبوة بطبيعة الناس، وكيف ينبغي التعامل معهم، وقد جاء ذلك في السنة الصحيحة، في أحاديث، منها:
الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه، عن ابن عباس، عن النبي - ﷺ - قال: [العين حق، ولو كان شيء سابقَ القدر سبقته العين، وإذا اسْتُغْسِلْتُم فاغسلوا] (١).
الحديث الثاني: يروي الطبراني بسند صحيح لشواهده، عن معاذ بن جبل، عن النبي - ﷺ - قال: [استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود] (٢).
الحديث الثالث: أخرج البخاري ومسلم عن أبي قتادة قال: قال النبي - ﷺ -: [الرؤيا الصالحةُ من الله، والحُلْمُ من الشيطان، فمَنْ رأى شيئًا يَكرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ عن شِمالِه ثلاثًا
(٢) صحيح لطرقه. أخرجه الطبراني في المعاجم الثلاثة: الكبير والأوسط والصغير، وأبو نعيم في "الحلية" (٥/ ٢١٥)، (٦/ ٩٦)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٢/ ٢٩١/ ١)، وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (١٨٢/ ١)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة - حديث رقم - (١٤٥٣).