أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)}.
في هذه الآيات: إشاعَةُ خبر يوسف وامرأة العزيز في المدينة، وهي مصر، فتكلم بعض نساء الأمراء والكبراء يَعِبْنَ على امرأة الوزير ما صدر منها، حيث أقدمت على دعوة غلامها إلى نفسها الذي ملأ قلبها عشقه وبلغ حبه شَغَاف قلبها. ومقابلةُ ذلك من امرأة العزيز بموقف من المكر لتبرير موقفها، ثم توعُّدُها يوسف إن خالف أمرها بالسجن والتضييق والإهانة. وَلُجُوءُ يوسف - عليه الصلاة والسلام - إلى الله عز وجل بصرف كيدهن عنه، وأن السجن أحب إليه من طلبهن، فاستجاب الله تعالى له إنه هو السميع العليم.
فقوله: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ﴾ - قال ابن كثير: (مثل نساء الأمراء والكبراء يُنْكرن على امرأة العزيز - وهو الوزير - وَيَعِبْنَ ذلك عليها). قلت: والعزيز لغة من العزة، والمراد هنا الوزير. قال ابن إسحاق (وشاع الحديث في القرية، وتحدث النساء بأمره وأمرها، وقلن: ﴿امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾، أي عبدها).
وقوله: ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ - شغاف القلب غلافه وحجابه، والمقصود دخل حبه فتغلغل تحت غلاف القلب. قال السدي: (والشغاف جلدة على القلب يقال لها "لسان القلب". يقول: دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب). وقال عكرمة: (﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾: دخل حبه تحت الشَّغاف). وقال مجاهد: (دخل حبه في شغافِها). وعن ابن عباس قال: (يقول: عَلَّقها حبًّا). أو قال: (غلبها). وقال الحسن: (قد بطنها حبًّا). وقال قتادة: (استبطنها حبها إياه). وقال الضحاك: (يقول: هلكت عليه حبًّا).
وقوله: ﴿إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ - أي: في صنيعها هذا وما أقدمت عليه من مراودة فتاها عن نفسه وتعلق قلبها به.
وقوله: ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾ - قال السدي: (يقول: بقولهن). وقال قتادة: (أي بحديثهن).
وقوله: ﴿أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾ - أي: أرسلت إلى النسوة اللاتي مَكَرْنَ بها