وفي التنزيل: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف: ١٠٣].
وقوله تعالى: ﴿يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾.
قال القاسمي: (﴿يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا﴾ أي: يخرج من السجن، ويعود إلى ما كان عليه من سقي سيده الخمر، ﴿وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ﴾ أي: فيقتل ويعلق على خشبة، فتأكل الطير من لحم رأسه. ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾ أي: قطع وتم ما تستفتيان فيه. يعني: ماله، وهو نجاة أحدهما، وهلاك الآخر. والتعبير عنه بـ ﴿الْأَمْرُ﴾، وعن طلب تأويله بـ "الاستفتاء" تهويلًا لأمره، وتفخيمًا لشأنه، إذ الاستفتاء إنما يكون في النوازل المشكلة الحكم، المبهمة الجواب).
٤٢. قوله تعالى: ﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢)﴾.
في هذه الآية: وصية يوسُف - عليه السلام - الذي ظن خروجه من الرجلين ذكر مظلمته عند سيده، فأنساه الشيطان فلبث في السجن بضع سنين.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: قال يوسف للذي علم أنه ناج من صاحبيه اللذين استعبراه الرؤيا: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾، يقول: اذكرني عند سيدك، وأخبره بمظلمتي، وأني محبوس بغير جُرْم).
فأنسى الشيطان ذلك الموصى أن يذكِّر مولاه الملك بأمر يوسف، وكان ذلك مكيدة من الشيطان لئلا يخرج يوسف من السجن، وكان الأَوْلى أن يطلب يوسف عليه الصلاة والسلام الفرج خالصًا من الله تعالى - كما أخبرنا بذلك نبينا محمد - ﷺ -.
فقد أخرج الطبراني عن ابن عباس مرفوعًا: [عجبتُ لصَبْرِ أخي يوسف وكرَمِه، والله يَغْفِرُ له حيثُ أرسلَ إليه لِيُستَفْتَى في الرؤيا، ولو كُنْتُ أنا لم أفعلْ حتى أخرجَ. وَعَجِبْتُ لصبره وكرمه والله يغفِرُ لهُ أُتِيَ لِيخرُجَ فلم يخرُجْ حتى أخبرهم بعذرِهِ، ولو


الصفحة التالية
Icon