﴿لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ﴾ فيقال: هؤلاء لرجل واحد! ولكن ادخلوا من أبواب متفرقة).
وكذلك قال ابن إسحاق: (لما أجمعوا الخروج، خشي عليهم أعين الناس، لهيأتهم، وأنهم لرجل واحد). وقال القاسمي: (﴿وَقَال﴾ أي أبوهم: ﴿يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ﴾ أي: لئلا يستلفت دخولهم من باب واحد، أنظار من يقف عليه من الجند، ومن يعسّ للحاكم، فيريب بهم، لأن دخول قوم على شكل واحد، وزيّ متحد، على بلدٍ هم غرباء عنه، مما يلفت نظر كل راصد. وكانت المدن وقتئذ مبوّبة لا ينفذ إليها إلا من أبوابها، وعلى كل باب حرسه، وليس دخول الفرد كدخول الجمع في التنبه، وإتباع البصر. وقيل: نهاهم لئلا تصيبهم العين إذا دخلوا كوكبة واحدة).
وقوله: ﴿وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾.
قال ابن كثير: (أي: هذا الاحتراز لا يردُّ قدرَ الله وقضاءه، فإن الله إذا أراد شيئًا لا يُخالَفُ ولا يمانَعُ).
وقوله: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾.
أي: وما الحكم إلا لله سبحانه، لا يشاركه أحد، ولا يمانعه أحد، وإنما أفوض أمري إليه، وإلى الله فليفوِّض أمورَهم المفوِّضون.
وقوله: ﴿وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا﴾.
قال مجاهد: (﴿إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا﴾، خيفة العين على بنيه).
وقال ابن إسحاق: (ما تخوّفَ على بنيه من أعين الناس، لهيأتهم وعِدَّتهم).
وقال ابن جرير: (ولما دخل ولد يعقوب من حيث أمرهم أبوهم، وذلك دُخولهم مصر من أبواب متفرقة، ﴿مَا كَانَ يُغْنِي﴾ دخولهم إياها كذلك، ﴿عَنْهُمْ﴾ من قضاء الله الذي قضاه فيهم فحتمه، ﴿مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا﴾، إلا أنهم قضوا وطرًا ليعقوب بدخولهم، لا من طريق واحد، خوفًا من العين عليهم، فاطمأنت نفسه أن يكونوا أُتوا من قبل ذلك، أو نالهم من أجله مكروه).
قلت: وهذه الآية من جملة الآيات في القرآن الدالة على أثر العين، وقد تنبّه