الاسترجاع، ألا تسمَعُون إلى قول يعقوب - عليه السلام - ﴿يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾).
وقوله: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ﴾. أي: من شدة الحزن. ﴿فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ - قال مجاهد: (كظيم الحزن) - أي: ساكت لا يشكو أمره إلى مخلوق. وقال الضحاك: (كئيب حزين). وقال قتادة: (تردَّدَ حُزْنُهُ في جوفه، ولم يتكلّم بسوء). أو قال: (كظيم على الحزن، فلم يقل إلا خيرًا).
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾.
أي: قال بنو يعقوب له: إنك لا تزال تذكر يوسف حتى يجهدك المرض ويؤذي جسمك وعقلك أو يهلكك.
قال مجاهد: (﴿تَفْتَأُ﴾، تفتر من حبه). أي: إنك لا تفتر من حب يوسف واستعراض ذكراه. وقال قتادة: (لا تزال تذكر يوسف).
وعن ابن عباس: (﴿حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا﴾، يعني الجَهْدَ في المرض، البالي). وقال مجاهد: (الحرض، ما دون الموت). وعن قتادة: (﴿حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا﴾، حتى تبلى أو تهرم).
وقال الضحاك: (الحرض: الشيء البالي الفاني). أو قال: (البالي المُدْبر).
قال ابن جرير: (وأصل "الحرض" الفساد في الجسم والعقل من الحزن أو العشق).
والمقصود: إن كثرة ذكرك ليوسف يؤذي بدنك ويُعِلّ صحتك وينعكس على نفسك وعقلك بالفساد والسوء - يقوله بنو يعقوب لأبيهم.
وقوله: ﴿أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾ - قال مجاهد: (من الميتين). أي: تكون ممن هلك بالموت.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
قال ابن عباس: (﴿بَثِّي﴾، همي). وقال الحسن: (حزني). أو قال: (حاجتي)، وقيل: غمّي. وعن ابن إسحاق قال: (قال يعقوب عن عِلْمٍ بالله: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾، لما رأى من فظاظتهم وغلظتهم وسوء لَفْظِهم له: لم أشك ذلك إليكم، ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾).