الغيب إنما هو لتثبيته على الصراط فيما يلاقيه من أذى قومه وتكذيبهم، وبأن المكر سيرجع على المكرة بالنكال والوبال. إِنَّ أكثر الناس لا يفيدون من آيات الله في هذا الكون الفسيح بل يعيشون مستكبرين مشركين. فهل أمنوا مكر الله وعذابه أو الساعة تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون؟ !
فقوله: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ - قال ابن جرير: (يقول: من أخبار الغيب الذي لم تشاهده ولم تعاينه، ولكنا نوحيه إليك ونعرِّفكه لنثبِّتَ به فؤادك، ونشجع به قلبك، وتصبر على ما نالك من الأذى من قومك في ذات الله، وتعلم أن من قبلك من رسل الله، إذ صبروا على ما نالهم فيه، وأخذوا بالعفو، وأمروا بالعُرْف، وأعرضوا عن الجاهلين، فازوا بالظفر، وأُيِّدُوا بالنصر، ومُكِّنوا في البلاد، وغلبوا من قَصدوا من أعدائهم وأعداء دين الله).
وقوله: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ - قال ابن عباس: (هم بنو يعقوب). وقال قتادة: (يقول: ما كنت لديهم وهم يلقونه في غَيَابَةِ الجب).
والمعنى: ما كنت يا محمد حاضرًا عند إخوة يوسف، حين عزموا على إلقاء يوسف في غيابة الجب واجتمعت آراؤهم على ذلك المكر، ولكن أعلمناك به وحيًا أنزلناه إليك. وفي التنزيل نحو هذا كثير:
١ - قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [آل عمران: ٤٤].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [القصص: ٤٤].
٣ - وقال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ [القصص: ٤٦].
٤ - وقال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٦٩) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [ص: ٦٩، ٧٠].
وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾.
قال النسفي: (أراد العموم أو أهل مكة، أي: وما هم بمؤمنين ولو اجتهدت كل الاجتهاد على إيمانهم). وقال ابن كثير: (يقرر تعالى أنه رسُوله، وأنه قد أطلعه على