ولقد استهزئ - يا محمد - برسل قبلك فصبروا حتى قطع الله استدراجه للكافرين وأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
فقوله: ﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾.
أي: كذلك - يا محمد - أرسلناك في قومك كما أرسلنا من قبلك من الرسل في أقوامهم وأممهم لتنذرهم بهذا الوحي مغبة استرسالهم في غيِّهم وشركهم، فكذبوك كما كذب الأقوام رسلهم من قبلك، فصبر إخوتك الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على ما كُذِّبوا، فلك بهم أسوة في الصبر والاحتساب.
وفي التنزيل: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأنعام: ٣٤].
وقوله: ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾. قال ابن كثير: (أي: هذه الأمةُ التي بعثناك فيهم يكفرون بالرحمن لا يُقرُّون به لأنهم كانوا يَأنَفُونَ من وصف الله بالرحمن الرحيم).
وعن مجاهد قال: (هذا لمّا كاتب رسول الله - ﷺ - قريشًا في الحديبية، كتب: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، قالوا: لا تكتب ﴿الرَّحْمَنِ﴾، وما ندري ما ﴿الرَّحْمَنِ﴾، ولا تكتب إلا: "باسمك اللهم". قال الله: ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، الآية).
قلت: وأصل ذلك في صحيح البخاري من حديث المسور ومروان، وكذلك في مسند الإمام أحمد من حديث المسور.
فقد روى البخاري - في صلح الحديبية - قال الزهري: [فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتُبْ بيننا وبينكم كتابا. فدعا النبي - ﷺ - الكاتب - وهو علي رضي الله عنه - فقال النبي - ﷺ -: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. (وفي رواية أحمد: فقال رسول الله - ﷺ -: اكتب ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾) فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب] الحديث (١).
و"الرحمن" اسم مشتق من الرحمة على وجه المبالغة.

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٢٧٣١)، (٢٧٣٢)، كتاب الشروط، وأخرجه مسلم في صحيحه (١٧٨٤)، كتاب السير، وأخرجه أحمد في المسند (٤/ ٣٢٥).


الصفحة التالية
Icon