وعن أنس وابن مسعود رضي اللهُ عَنْهُما قالا: (هي النخلة).
وقد حفلت السنة الصحيحة بآفاق هذا المعنى، وذلك في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم - واللفظ للبخاري - عن نافع، عن ابن عمرَ قال: [كنا عند رسول الله - ﷺ - فقال: أخبروني بشجرة تُشبه - أو: كالرجل - المسلم، لا يتحاتُّ ورقُها وَلا وَلا وَلا، تؤتي أُكُلَها كُلَّ حين! قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النَّخلة، ورأيتُ أبا بكر وعمرَ لا يتكلمان فَكَرِهْتُ أَنْ أَتكَلَّم. فلما لم يقولوا شيئًا قال رسول الله - ﷺ -: هيَ النخلة. فلمَّا قُمْنا قلتُ لِعُمَرَ: يا أبتاه، واللهِ لقد كانَ وقعَ في نفسي أنَّها النَّخْلةُ، فقال: ما مَنَعك أَنْ تَكَلَّم؟ قال: لم أَرَكُمْ تَكَلَّمُون، فكرِهْتُ أنْ أَتَكَلَّمَ أو أقولَ شيئًا. قال عمر: لأَنْ تكونَ قُلْتَها أَحَبُّ إليَّ من كذا وكذا] (١).
الحديث الثاني: أخرج البخاري عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - ﷺ -: [إن من الشجرِ شَجَرةً لا يَسْقُط وَرَقُها، وإنها مَثَلُ المُسْلِم فحدِّثوني ما هي؟ فوقعَ الناسُ في شجرِ البوادي، قال عبد الله، ووقَعَ في نفسي أنها النخلة، فاسْتَحييتُ ثم قالوا: حدِّثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: هي النخلة] (٢).
الحديث الثالث: أخرج أحمد والشيخان عن مجاهد قال: [صحبتُ ابنَ عمر إلى المدينة، فلم أسمعهُ يحدِّث عن رسول الله - ﷺ - إلا حديثًا واحدًا، قال: كُنَّا عند النبي - ﷺ - فَأُتِيَ بِجُمَّار (٣) فقال: إنَّ مِنَ الشجر شجرةً مَثَلُها كَمَثَلِ المُسْلمِ. فأردت أن أقولَ: هي النَّخْلَةُ، فإذا أنا أصْغَرُ القَوْمِ فسكتُّ، قال النبي - ﷺ -: هِيَ النَّخْلَةُ] (٤).
وخلاصة المعنى كما ذكر عطية العوفي: (﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾، قال: ذلكَ مثل المؤمن لا يزال يخرجُ منهُ كلامٌ طيبٌ وعمل صالح يَصْعَدُ إليهِ).

(١) حديث صحيح، أخرجه البخاري (٤٦٩٨)، كتاب التفسير، وأخرجه مسلم في الصحيح (٢٨١١).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٦١) - كتاب العلم - باب قول المحدّث: حدَّثنا وأخْبَرنا وأَنبأَنا، وانظر صحيح البخاري (١٣١)، ومسند أحمد (٢/ ٦١)، (٢/ ١٢٣)، وصحيح ابن حبان (٢٤٣).
(٣) الجُمَّار: شحم النخل، ومنه يخرج الثمر.
(٤) أخرجه البخاري (٧٢)، كتاب العلم، باب الفَهْم في العِلم. وانظر الحديث رقم (٢٢٠٩) منه، وأخرجه مسلم (٢٨١١)، وأحمد (٢/ ١٢)، وابن حبان (٢٤٤).


الصفحة التالية
Icon