وقوله تعالى: ﴿وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ﴾.
قال ابن عباس: (إن الشهب لا تقتل، ولكن تحرق وتخبل (١) وتجرح من غير أن تقتل).
والمقصود: أن الله تعالى قد حفظ السماء الدنيا من كل شيطان لعين أن يسترق الخبر يقضيه سبحانه في السماء، كما كانوا يفعلون قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن ربما خطف بعضهم جزءًا من الخبر قبل أن يحرقه الشهاب فيضيف عليه مئة كذبة فيصدق عند الجهال في الأرض بتلك الكلمة التي ألقاها إلى الساحر وأضاف لها ما أضاف من الكذب لتصبح قصة لها بداية ونهاية.
فقد أخرج البخاري في صحيحه - عند تفسير هذه الآية - عن أبي هريرة يبلغُ به النبي - ﷺ - قال: [إذا قضى الله الأمرَ في السماء ضَرَبت الملائكةُ بأجنحتها خُضْعانًا لقوله كأنه سلسلة على صفوان - قال عليُّ: وقال غيرُه: صَفْوانٍ يَنْفُذُهُمْ، ذلكَ - فإذا فُزِّغَ عن قلوبِهم قالوا: ماذا قال ربّكُم؟ قالوا للذي قال: الحَقَّ وهو العليُّ الكبيرُ، فَيَسْمَعُها مُسْتَرِقُو السمع، ومسترِقُو السَّمع هكذا، واحِدٌ فوقَ آخرَ.- ووصف سفيانُ بيده وفرَّج بين أصابع يده اليمنى، نصبها بعضَها فوْقَ بعض - فربَّما أدركَ الشِّهابُ المستَمِعَ قبل أن يَرْميَ بها إلى صاحِبهِ فَيُحْرِقَهُ، وَرُبَّما لم يُدْرِكْهُ حتى يَرْمِيَ بها إلى الذي يليه، إلى الذي هو أسْفَلُ منه حتى يُلْقوها إلى الأرض - وَرُبَّما قال سفيانُ: حتى تنتَهِيَ إلى الأرض، فَتُلْقى على فَم السّاحر فَيَكْذِبُ معها مئة كَذْبَةٍ، فَيُصَدَّقُ فيقولون: ألم يُخْبِرْنا يَوْمَ كذا وكذا يكونُ كذا وكذا؟ فوجَدْناهُ حَقًّا - للكلمة التي سُمِعَتْ مِنَ السماء] (٢).
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾ [الفرقان: ٦١].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ [الملك: ٥].
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٧٠١) - كتاب التفسير - سورة الحجر، آية (١٨)، وأخرجه أبو داود (٣٩٨٩)، والترمذي (٣٢٢٣)، وابن ماجه (١٩٤)، وابن حبان (٣٦).