ثم ذكر تعالى تنويهَه بذكر آدم عليه السلام في ملائكته، وأمره لهم بالسجود له تشريفًا له وتكريمًا، وشمل الأمر إبليس الذي اعترته الحمية، وتعزّز بخلقة النار، واستوهن خلق الصلصال، فأتبعه الله السخطة واللعنة وطرده من الجنة والرحمة، فسأل الله النظرة، فأعطاه سبحانه النظرة، استكمالًا للبلية، واستحقاقًا للسخطة إلى يوم الدين. وقد مضى تفصيل ذلك في أول سورة البقرة، فلله الحمد والمنة.
٣٩ - ٤٤. قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤)﴾.
في هذه الآيات: تَعَهُّدُ إبليس إغواء ذرية آدم إلا عباد الله المخلصين، الذين سيحميهم الله من محاولاته ومكره إلا من اتبعه من الغاوين. فإن جهنم موعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب قد كُتب لكل باب منها جزء من أتباع إبليس منه يلجون.
فقوله: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾. أي: بسبب إغوائك. وقيل: أقسم بإغواء الله له.
وقوله: ﴿لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾. قال ابن جرير: (لأحسننّ لهم معاصيك، ولأحببنّها إليهم في الأرض).
وقوله: ﴿وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾. أي: لأصرفنهم عن سبيل الهدى والرشاد، إلى سبيل الغي والضلال.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾. قال الضحاك: (يعني: المؤمنين). وقال قتادة: (هذه ثَنِيَّةُ الله تعالى ذكره).
وفي التنزيل:
﴿أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٦٢].
ومن كنوز السنة المطهرة في آفاق مفهوم الآية أحاديث، منها:
الحديث الأول: أخرج الحاكم والبيهقي بسند صحيح في الشواهد عن أبي سعيد