في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقًا واحدًا] (١).
فلا يوفقهم الله للسجود إليه أحوج ما يحتاجون إلى قبوله وعونه لهم على السجود لوجهه، إذ كانوا من المبطلين المنافقين المرائين في سجودهم في الدنيا فحرمهم من ذلك بحكمته في الآخرة.
وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾.
أي: أولئك القوم الذين خسروا سعادة أنفسهم وراحتها، واشتروا بريائهم ونفاقهم وصدهم عن سبيل الله شقاوتها وعذابها وآلامها، وغاب عنهم شفاعة آلهتهم المزعومة، ومن ضحك عليهم من الطواغيت ولم يجدوا ما وعدوهم إلا كذبًا.
وقوله تعالى: ﴿لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ﴾.
أي: حقًا ولا محالة أن هؤلاء يوم القيامة هم أصحاب الخسران المبين، وأهل التجارة الفاشلة الخاسرة، إذ ضيّعوا الآخرة بدنيا وشهوات فانية.
قال ابن كثير: (يخبر تعالى عن حالهم أنهم أخسر الناس صفقة في الدار الآخرة، لأنهم استبدلوا بالدركات عن الدرجات، واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن، وعن شُرب الرحيق المختوم، بسَموم وحَميم، وظِلٍّ من يحموم، وعن الحور العين بطعام مِنْ غِسْلين، وعن القصور العالية بالهاوية، وعن قُرْبِ الرحمن ورؤيته بغضَب الديَّان وعقوبته، فلا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون).
٢٣ - ٢٤. قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٢٤)﴾.
في هذه الآيات: إخبار الله تعالى عن حال السعداء، بعد ذكر حال الأشقياء، فأهل الإيمان والعمل الصالح الذين تواضعوا لأمر ربهم هم سكان الجنة هم فيها خالدون. إن مثل الفريقين كمثل الأعمى والبصير، والأصم والسميع، هل يستويان مثلًا؟ ! لا يستويان، فهلّا انتفعتم بضرب الله هذا المثل!.