قال قتادة: (أتى الله بنيانهم من أصوله، فخرّ عليهم السقف). قال النسفي: (﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾ أي من جهة القواعد وهي الأساطين، وهذا تمثيل، يعني أنهم سوّوا منصوبات ليمكروا بها رسل الله فجعل الله هلاكهم في تلك المنصوبات، كحال قوم بنوا بنيانًا وعمدوه بالأساطين، فأتى البنيان من الأساطين بأن ضعضعت فسقط عليهم السقف وماتوا وهلكوا). وذهب بعض المفسرين أن المراد نمرود بن كنعان حين بنى الصرح ببابل طوله خمسة آلاف ذراع فَأَهَبَّ الله الريح فخرّ عليه وعلى قومه. وقيل بل المراد بُخْتَنَصَّر، والله أعلم.
وقوله: ﴿وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
قال القرطبي: (أي من حيث ظنوا أنهم في أمان).
قلت: والآية تدل على احتيال الطغاة في المكر بدين الله والصد عن سبيل الله ومحاولة إضلال الناس بكل حيلة ووسيلة، فإذا صبر أهل الحق وواجهوا مكر الملأ بالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت لهم العاقبة، وأتى الله بنيان أولئك الذي صنعوه فاجْتَثَّه من أصله وَأَبْطَلَ عملهم وأضلّه. وقد ورد أصل هذا المعنى في القرآن والسنة الصحيحة:
ففي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ﴾ [المائدة: ٦٤].
٢ - وقال تعالى: ﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [الحشر: ٢].
٣ - وقال تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ٥٤].
وفي صحيح السنة المطهرة في آفاق معنى الآية أحاديث:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن أبي موسى، عن النبي - ﷺ - قال: [إنّ الله تعالى ليُملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يُفْلته] (١).
الحديث الثاني: أخرج مسلم من حديث أبي موسى، عن النبي - ﷺ - قال: [إن الله تعالى إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيَّها قَبْلها، فجعلَه لها فَرَطًا وسلفًا بين يديها،

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٦٨٦)، ومسلم (٢٥٨٣)، والترمذي (٣١١٠)، وابن ماجه (٤٠١٨)، وابن حبان (٥١٧٥)، ورواه البيهقي (٦/ ٩٤).


الصفحة التالية
Icon