أي: بئسَ المَقِيل والمُقام والمكان من دار هَوَانٍ، لمن كان متكبرًا عن آيات الله واتباع رسله. وهم يَدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم، وينال أجسادَهم في قبورها من حرِّها وسَمُومها، فإذا كان يومُ القيامة سُلِكَت أرواحهم في أجسادهم، وخُلِّدت في نار جهنم، ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾ [فاطر: ٣٦]، كما قال الله تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر: ٤٦]).
٣٠ - ٣٢. قوله تعالى: ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢)﴾.
في هذه الآيات: ثَنَاءُ الله تعالى على المحسنين المتقين، الذين يدخلون بإذنه وتوفيقه جنات عدن خالدين، وقد توفتهم الملائكة قبل ذلك طيبين، وقالوا لهم: سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون.
فقوله: ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا﴾.
هو إِخْبَارٌ عن حال السعداء المؤمنين، بخلاف حال الأشقياء المشركين، فإن الأشقياء لما قيل لهم ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ أعرضوا عن الجواب واعتبروا ما جاءهم أساطير الأولين، وأما المؤمنون فأقروا بالوحي الكريم، الذي حمل لهم الخير الكبير، من وعد الله الجليل: وهو قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾. قال قتادة: (أي آمنوا بالله وأمروا بطاعة الله، وحثوا أهل طاعة الله على الخير ودعوهم إليه). وقال الشهاب: (والحسنة التي في الدنيا الظفر وحسن السيرة وغير ذلك).
وقوله: ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾.
قال القرطبي: (أي ما ينالون في الآخرة من ثواب الجنة خير وأعظم من دار الدنيا، لفنائها وبقاء الآخرة). وقال النسفي: ﴿وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾ دار الآخرة، فحذف المخصوص بالمدح لتقدم ذكره).