حتى لحق طوائف منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصارًا من المؤمنين). وعن مجاهد: (﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ قال: المدينة).
٢ - وقال ابن عباس: (هم قوم هاجروا إلى رسول الله - ﷺ - من أهل مكة من بعد ظلمهم، وظلمهم المشركون). وقيل نزلت في أبي جندل بن سهيل. وقال مجاهد: (﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾ لنرزقنهم في الدنيا رزقًا حسنًا).
قلت: والآية عامة في كل زمان ومكان، فإن الفرار بالدين ثوابه الرزق الحسن في الدنيا والآخرة. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٠٠].
أخرج الحاكم بسند صحيح عن عكرمة قال: [لما خرج صهيب مهاجرًا تبعه أهل مكة، فنثل كنانته فأخرج منها أربعين سهمًا فقال: لا تصلون إليَّ حتى أضع في كل رجل منكم سهمًا ثم أصير بعده إلى السيف فتعلمون أني رجل، وقد خلفت بمكة قينتين فهما لكم، ونزلت على النبي - ﷺ -: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٠٧]، فلما رآه النبي - ﷺ - قال: أبا يحيى ربح البيع. قال: وتلا الآية] (١).
وقوله: ﴿وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾. قال قتادة: (إي والله لما يثيبهم الله عليه من جنته أكبر ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾).
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.
أي: الذين صبروا على أعباء الجهاد ومواجهة الطغاة، لحراسة الدين وسياسة الدنيا به في الأرض، لتكون كلمة الله هي العليا، وهم بالله يثقون وإليه يستندون في نوائب الأمور التي تنوبهم.
٤٣ - ٤٤. قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا

(١) حديث صحيح. أخرجه الحاكم (٣/ ٤٠٠) من حديث عكرمة، وإسناده على شرط مسلم. وقد مضى تخريجه في سورة البقرة، آية (٢٠٧).


الصفحة التالية
Icon