الذي فيه شفاء للأنام، وبثمرات النخيل والأعناب وما يكون منها من منافع عبر الأيام.
فقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾. قال ابن كثير: (وكما جعل تعالى القرآن حياة للقلوب الميتة بكفرها، كذلك يُحْيي الأرض بعد موتها بما ينزله عليها من السماء من ماء ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾، أي: يفهمون الكلام ومعناه).
وقوله: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً﴾. الأنعام: هي الإبل والبقر والغنم. وفي خلقها وطريقة عطائها والاستفادة من ألبانها وأصوافها ولحمها آية ودلالة على قدرة خالقها ولطفه ورحمته.
وقوله: ﴿نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾. آية من آيات الآفاق، يريها الله تعالى عباده في أدق ما توصلت إليه الأبحاث والعلوم. فلقد اكتشف الدارسون أن اللبن في الأنعام يُسْتَخْلَصُ من بين الفَرْثِ في الأمعاء الدقيقة، فتبقى الفضلات التي تخرج في صورة بَعَرٍ، وغيره، بعد أن كانت كُلَّها فَرْثًا سائلًا، ثم تَدْخلُ المواد الغذائية في الدم، ثم يُستخْلَصُ اللبن من الدم في الضروع، وهذا كله متضمن في دقيق ألفاظ الآية السابقة، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وقوله: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾. قال ابن عباس: (السَّكر: ما حُرِّمَ من شرابه، والرزق الحسن: ما أحل من ثمرته). وقال أبو رزين: (نزل هذا وهم يشربون الخمر، فكان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر). وبنحوه قال إبراهيم: (هي منسوخة نسخها تحريم الخمر). وقال مجاهد: (السكر: الخمر، والرزق الحسن: الرُّطب والأعناب. ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا﴾ قال: هي الخمر قبل أن تحرّم). وقال قتادة: (أما السَّكر: فخمور هذه الأعاجم، وأما الرزق الحسن: فما تنتبذون، وما تُخَلّلون، وما تأكلون، ونزلت هذه الآية، ولم تحرّم الخمر يومئذ، وإنما جاء تحريمها بعد ذلك في سورة المائدة).
وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ - تناسب بديع مع مفهوم الآية وما جاء بعدها من تحريم ما أسكر، فإن العقل من أشرف ما في الإنسان، وقد مهّد بذلك تعالى لمجيء التحريم بعد ذلك تكريمًا لهذا العقل وصيانة له من الضياع والانهيار.
٦٨ - ٦٩. قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ