العذاب وموعده ووقته هو الله سبحانه الذي خلقكم وخلق كل شيء ولا تعجزونه ولا يعجزه شيء.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
قال ابن كثير: (أي: أيُّ شيء يُجْدي عليكم إبلاغي لكم وإنذاري إياكم ونُصحي، إن كان الله يريد إغواءكم ودمارَكم، ﴿هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾. أي: هو مالك أَزِمَّةِ الأمور، والمتصرِّفُ الحاكمُ العادلُ الذي لا يجورُ، له الخلقُ وله الأمرُ، وهو المبدئ المعيدُ، مالكُ الدنيا والآخرة).
وقوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ﴾.
قال ابن عباس: (هو من محاورة نوح لقومه). وقيل: بل هو كلام معترِضٌ وسط القصة والحديث عن مشركي قريش إذ زعموا أن محمدًا - ﷺ - افترى هذا القرآن. واختار ابن جرير الثاني فقال: (أيقول، يا محمد، هؤلاء المشركون من قومك: افترى محمد هذا القرآن؟ وهذا الخبر عن نوح؟ قل لهم: إن افتريته فتخرصته واختلقته ﴿فَعَلَيَّ إِجْرَامِي﴾، يقول: فعليَّ إثمي في افترائي ما افتريت على ربي، دونكم، لا تؤاخذون بذنبي ولا إثمي، ولا أؤاخذ بذنبكم، ﴿وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ﴾، يقول: وأنا بريء مما تذنبون وتأثمون بربكم، من افترائكم عليه). واختار القرطبي أنه من محاورة نوح لقومه، ثم قال القرطبي: (وهو أظهر، لأنه ليس قبله ولا بعده إلا ذكر نوح وقومه، فالخطاب منهم ولهم ﴿قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ﴾ أي اختلقته وافتعلته، يعني الوحي والرسالة، ﴿فَعَلَيَّ إِجْرَامِي﴾ أي عقاب إجرامي، وإن كنت محقًا فيما أقوله فعليكم عقاب تكذيبي).
قلت: والبيان الإلهي يحتمل التأويلين معًا، وهو من إعجاز هذا القرآن العظيم، وجوامع كلمه وخطابه الجامع، فيجوز أن يكون الوصف لحوار نوح مع قومه، أو لاعتراض المشركين على نبينا محمد - ﷺ -، فإن الشرك ملة واحدة عبر العصور والأزمان.
٣٦ - ٣٩. قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي


الصفحة التالية
Icon