الصبر عند الله عظيم. قال ابن سيرين: (﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ يقول: إن أخذ منك رجل شيئًا، فخذ منه مثله). وقال مجاهد: (لا تعتدوا).
أخرج أحمد والترمذي وابن حبان بسند صحيح عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: [لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلًا، ومن المهاجرين ستة، منهم حمزة، فمثلوا بهم. فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يومًا مثل هذا لَنُرْبِيَنَّ عليهم. فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾. فقال رجل لا قريش بعد اليوم. فقال رسول الله - ﷺ -: كفوا عن القوم إلا أربعة] (١).
قال النسفي: (﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ - أي: ولئن صبرتم لصبركم خير لكم، فوضع الصابرين موضع الضمير ثناء من الله عليهم لأنهم صابرون على الشدائد).
وقوله: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾. تثبيت للأمر بالصبر وتوكيد له، وإعلام أنه كائن بمشيئة الله وعونه وتوفيقه.
أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: [أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله - ﷺ - فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نَفِدَ ما عِنْدَه، فقال لهم حين أنفق كُلَّ شيء بيده: ما يَكُنْ عِنْدي من خيْرٍ فلن أَدَّخِرَهُ عنكم، ومن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ الله، ومَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله، ومن يتَصَبَّرُ يُصَبِّرْه الله. وما أُعطي أحدٌ عطاءَ خيرًا وأوسعَ من الصَّبْر] (٢).
وقوله: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾. أي: لا تحزن على هؤلاء المكذبين لك ولنبوتك - يا محمد -. وقوله: ﴿وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾. قال ابن جرير: (يقول: ولا يضيق صدرك بما يقولون من الجهل، ونسبتهم ما جئتهم به إلى أنه سحر أو شعر أو كهانة. ﴿مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾: مما يحتالون بالخدع في الصدّ عن سبيل الله، ومن أراد الإيمان بك، والتصديق بما أنزل الله إليك).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٣/ ٢٦٥)، (١١/ ٢٦٠)، وأخرجه مسلم في صحيحه - حديث رقم - (١٠٥٣)، من حديث أبي سعيد الخدري.