ابنِ زيد: (﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ قال: مغلولة لا تبسطها بخير ولا بعطية، ﴿وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ في الحق والباطل، فينفد ما معك، وما في يديك، فيأتيك من يريد أن تعطيه فيحسر بك، فيلومك حين أعطيت هؤلاء، ولم تعطهم).
قال ابن عرفة: (﴿فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾: يقول لا تسرف ولا تُتلف مالك فتبقى محسورًا منقطعًا عن النفقة والتصرف، كما يكون البعير الحسير، وهو الذي ذهبت قوته فلا انبعاث به).
قلت: والحسير مأخوذ من الكَلال والإعياء. فإن العرب تقول: حَسَرَ البعير إذا أعْيا.
وفي التنزيل: ﴿ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ [الملك: ٤]. أي كليل منقطع.
ومن كنوز السنة في آفاق معنى الآية أحاديث:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله - ﷺ - يقول: [مَثَلُ البخيل والمُنْفقِ كمثلِ رَجُلينِ عَلَيْهما جُبَّتانِ مِنْ حديدٍ مِنْ ثُدِيِّهِما إلى تَرَاقيهما، فأما المُنْفِقُ فلا يُنْفِقُ إلا سَبَغَتْ أو وَفَرَتْ على جِلْدِه حتى تُخْفِيَ بَنانَه، وَتَعْفُوَ أثَرَهُ. وأما البخيل فلا يريد أن يُنْفِقَ شيئًا إلا لَزِقَتْ كل حَلْقَةٍ مكانَها فهو يُوَسِّعُها ولا تَتَّسِعْ] (١).
وفي لفظ: [ضرب رسول الله - ﷺ - مَثَلَ البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جُبَّتان من حديد قد اضْطَرّت أيديهما إلى ثُديِّهما وتراقِيهما، فجعل المتصدق كلما تصدَّق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامِلَهُ وتَعْفُوَ أثره (٢)، وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كلُّ حَلْقةٍ بمكانها. قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله - ﷺ - يقول بأصبعيه هكذا في جَيْبه فلو رَأيْتَه يُوَسِّعها ولا تتوسَّع].
الحديث الثاني: أخرج البخاري ومسلم عن هشام بن عُروة، عن زوجته فاطمة بنتِ المنذر، عن جَدَّتها أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: قال رسول الله - ﷺ -:
(٢) أي تنتشر عنه الجبة حتى تمحو أثر مشيه لسبوغها. وقوله: "قلصت" أي انضمت وارتفعت.