الصحابة والتابعين لهم بإحسان - في بحث الإيمان باليوم الآخر - باب الشفاعة، فلله الحمد والمنة.
وقوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾. قال قتادة: (مدخل صدق: المدينة، ومخرج صدق: مكة). وقال ابن عباس: (كان النبي - ﷺ - بمكة ثم أُمِرَ بالهجرة فأنزل الله تبارك وتعالى اسمه: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾). فلقد علم النبي - ﷺ - أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل الله سلطانًا نصيرًا فأعطاه.
قال الحسن: (كفار أهل مكة لما ائتمروا برسول الله - ﷺ - ليقتلوه، أو يطردوه، أو يوثقوه، وأراد الله قتال أهل مكة فأمره أن يخرج إلى المدينة، فهو الذي قال الله: ﴿أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾). ثم قال في قوله: ﴿وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾: (يوعده لينزِعَنَّ مُلك فارس وعز فارس، وليجعلنه له، وعزَّ الروم وملكَ الروم، وليجعلنه له).
وقال قتادة: (﴿وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾: وإن نبي الله علم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطانًا نصيرًا لكتاب الله عز وجل، ولحدود الله، ولفرائض الله، ولإقامة دين الله، وإن السلطان رحمة من الله جعلها بين أظهر عباده، لولا ذلك لأغار بعضهم على بعض، فأكل شديدهم ضعيفهم).
وفي الأثر عن عمر وعن عثمان: (إن الله ليزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن). قال ابن كثير: (أي: ليمنعُ بالسلطان عن ارتكاب الفواحشِ والآثام ما لا يمتنع كثيرٌ من الناس بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد والتهديد الشديد، وهذا هو الواقع).
وقوله تعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾. قال قتادة: (الحق: القرآن. ﴿وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ قال: هلك الباطل وهو الشيطان). وقال ابن جريج: (﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ﴾ قال: دنا القتال ﴿وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ قال: الشرك وما هم فيه).
والآية: تهديد ووعيد لكفار قريش بأن يوم نصر الحق قد اقترب، وفيه يكون اندحار باطلهم وشركهم، شأن الباطل أمام سلطان الحق على مدار الزمان.
وفي التنزيل: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: ١٨].
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: [دخل النبي - ﷺ - مكّة وحول البيت ستون وثلاث مئة نُصُبٍ، فجعل يَطْعَنُها بِعُودٍ في يده، ويقول: {جَاءَ