حرمه الله نور الهداية فقد أخزاه، ومن كفر بالله واليوم الآخر فنار جهنم مأواه، أَوَلَمْ يَرَ الكفار أنَّ خلق السماوات والأرض أكبر من خلقهم وإعادتهم بعد موتهم؟ ! ولكن الظالمين يجحدون، وبقدرة الله يكفرون.
فقوله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾. قال ابن كثير: (يقول تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ﴾ أي: أكثرهم، ﴿أَنْ يُؤْمِنُوا﴾ ويتابعوا الرسل، إلا استعجابُهم من بَعْثَتِه البشر رسلًا).
وفي التنزيل نحو ذلك كثير:
١ - قال تعالى: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [يونس: ٢].
٢ - وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [التغابن: ٦].
٣ - وقال تعالى: - من قول فرعون وملئه -: ﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾ [المؤمنون: ٤٧].
٤ - وقال تعالى: - من قيل الأمم لرسلهم -: ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [إبراهيم: ١٠].
وقوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾. قال النسفي: (ردّ الله عليهم بقوله: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ﴾ على أقدامهم كما يمشي الإنس ولا يطيرون بأجنحتهم إلى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلموا ما يجب علمه ﴿مُطْمَئِنِّينَ﴾ حال، أي ساكنين في الأرض قارين ﴿لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾ يعلمهم الخير ويهديهم المراشد).
والخلاصة: إن الله تعالى يبعث الرسل إلى القوم من جنسهم، ليفقهوا عنه ويَفْهموا منه، ولو بعث إلى البشر رسولًا ملَكًا لما حصل ذلك، ولا أمكنهم الأخذ عنه.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾.
أي: قل - يا محمد - لهؤلاء المتنطعين في اقتراحاتهم: الله تعالى نعم الكافي والحاكم، وهو ذو خبرة وعلم بما يصلح لعباده من التدبير والتصريف، ومن يستحق منهم الهداية أو الضلال.