قلوبهم، إذ صبروا على هجران الديار، إلى كهف بأحد الجبال، حفاظًا على دينهم، وخلاصًا من شرك قومهم، فآواهم سبحانه وأيدهم برحمته وجعل لهم من أمرهم فرجًا ومخرجًا.
فقوله تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾.
قال ابن جرير: (يقول تعالى لنبيه محمد - ﷺ -: نحن يا محمد نقص عليك خبر هؤلاء الفتية الذين أووا إلى الكهف بالحق، يعني: بالصدق واليقين الذي لا شك فيه. ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ﴾ يقول: إن الفتية الذين أوَوا إلى الكهف الذين سألك عن نبئهِم الملأ من مشركي قومك، فتية آمنوا بربهم ﴿وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ يقول: وزدناهم إلى إيمانهم بربهم إيمانًا وبصيرة بدينهم، حتى صبروا على هجران دار قومهم، والهرب من بين أظهرهم بدينهم إلى الله، وفراق ما كانوا فيه، من خفض العيش ولينه، إلى خشونة المكث في كهف الجبل).
وفي الآية فائدتان جليلتان:
الفائدة الأولى: أهمية الشباب لحمل هذا الدين والبذل من أجله.
وهذا جلي في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ﴾، فالشباب قوة الإسلام ومستقبله القادم. ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله شبابًا. وقد لاحظ العباس عمّ النبي - ﷺ - أن معظم رجال بيعة العقبة كانوا من الشباب فقال لابن أخيه: (ما أدري ما هؤلاء القوم الذين جاؤوك؟ إني ذو معرفة بأهل يثرب. هؤلاء قوم لا أعرفهم، هؤلاء أحداث) (١).
إن الشباب مصدر قوة الأمة ومحل طاقتها الكامنة، فَإنْ صَلَحَ الشباب فإن ذلك يُبَشِّرُ بأمة قوية تريد أن تشغل مكانها تحت الشمس، وإن فسد الشباب وتعلقت قلوبهم بالفواحش والآثام، أو سُلِّطَت عليهم عوامل الهدم والشد إلى الخلف، كان ذلك نذير سوء ومصدر قلق وتهديد لتلك الأمة.
ومن هنا حرص الإسلام على تربية الشباب على روح الجهاد والشهادة في سبيل الله، فإنه لا أعلى من ذلك ولا أرفع، فإذا ارتبط قلب الفتى بحب الله ونصرة دينه كان ذلك جامعًا لخيري الدنيا والآخرة.

(١) حديث حسن. أخرجه أحمد (٣/ ٣٣٩ - ٣٤٠) - في أثناء حديث بيعة العقبة، ورجاله ثقات.


الصفحة التالية
Icon