من بين أظهرهم، وتَطلَّبهم الملك، فيقال: إنه لم يظفر بهم، وعَمَّى الله عليه خبرهم).
قلت: والهروب من الفتن والفرار بالدين إلى حيث الأمن على الإيمان هو عمل منهجي صحيح عند اختلاط الرايات وظهور الدعاة على أبواب جهنم.
ففي التنزيل: ﴿إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾ [الكهف: ٢٠].
وفي صحيح السنة المطهرة في مفهوم ذلك أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: [يوشِكُ أن يكون خَيرَ مالِ المسلمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بها شَعَفَ الجبال، ومواقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بدينه من الفتن] (١).
الحديث الثاني: أخرج الإمام مسلم في صحيحه، والترمذي في جامعه، من حديث حذيفة مرفوعًا: [تكون دعاة على أبواب جهنم، مَنْ أجابهم إليها قذفوه فيها. فقلت: يا رسول الله! صِفْهم لنا، قال: نَعَمْ، هُمْ قومٌ مِنْ جِلْدَتِنا، ويتكلَّمون بألسنتنا. قلت: يا رسول الله! فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: تلزَمُ جماعة المسلمين وإمامهم. فقلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تِلكَ الفِرَق كُلَّها، ولو أن تَعَضَّ على أصلِ شجرة، حتى يدرككَ الموتُ، وأنت على ذلك] (٢).
الحديث الثالث: أخرج ابن ماجه بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله - ﷺ - قال: [كيف بكم وَبِزَمانٍ يوشِكُ أن يأتيَ، يُغَرْبَلُ الناسُ فيه غَرْبَلَةً، وتَبْقَى حُثالةٌ مِنَ الناس، قَدْ مَرِجَتْ عُهودُهُمْ وأماناتُهم، فاختلفوا، وكانوا هكذا؟ (وشبَّك بين أصابعه) قالوا: كيف بنا يا رسول الله! إذا كان ذلك؟ قال: تأخذون بما تَعْرِفون. وتدعون ما تُنكرون. وتقبلون على خاصَّتِكم. وتذرون أمْرَ عَوَامِّكُمْ] (٣).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح - حديث رقم - (١٨٤٧) - كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال.. ، وذلك في أثناء حديث طويل، ورواه الترمذي وغيره من أهل السنن.
(٣) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجه في السنن (٣٩٥٧) - كتاب الفتن. باب التثبت في الفتنة. انظر صحيح سنن ابن ماجه - حديث رقم - (٣١٩٦).