وأمر القيامة من أهل ذلك الزمان. قال عكرمة: (كان منهم طائفة قد قالوا: تُبْعَثُ الأرواح ولا تُبْعث الأجساد).
وقوله: ﴿إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ﴾ - يعني: الذين أعثروا على الفتية في تنازعهم في أمر القيامة. قال ابن كثير: (فمن مُثْبت لها ومِنْ مُنْكر، فجعل الله ظهورَهم على أصحاب الكهف حُجَّة لهم وعليهم).
وقوله: ﴿فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾. أي: سُدّوا عليهم باب كهفهم الذي هم فيه، وذروهم على حالهم.
قيل: لما استغرب الرجل الذي أرسلوه ليشتري لهم طعامًا تغير الأحوال، عمد إلى رجلٍ ممن يبيع الطعام فأنكر ضرْب تلك النقود، فدفعها إلى جاره، وجعلوا يتداولونها، حتى حملوه إلى ولي الأمر، فلما أرشدهم إلى الكهف دخل وأخفى الله أمرهم، وقيل بل سلّم عليهم الملك وفطن أمرهم وكان مسلمًا، ثم ودَّعوه وسلموا عليه وعادوا إلى مضاجعهم وتوفاهم الله عز وجل، والله أعلم بحقيقة ذلك. فهنالك قال أصحاب الكلمة والنفوذ فيهم كما حكى الله تعالى: ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾. قال النسفي: (يصلي فيه المسلمون، ويتبركون بمكانهم).
قلت: وليس في الذي صنعوه حجة على دفن الصالحين في المساجد أو اتخاذ القبور فيها أو بناء المساجد عليها. فإن ذلك لم يكن تصرف أهل العلم في ذلك الزمان بل أهل النفوذ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن شريعتنا ناسخة لما قبلها. وقد جاءت رسالة النبي - ﷺ - بالوعيد الشديد على من فعل ذلك.
ففي التنزيل: قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ١٨].
وفي صحيح السنة المطهرة في الترهيب من ذلك أحاديث:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن عائشة قالت: [لما نُزِلَ برسول الله - ﷺ - طفِقَ يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتمَّ بها كشفها فقال: - وهو كذلك - لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذِّر ما صنعوا، ولولا ذلك أُبرِزَ قبره، غير أنه خَشِيَ أن يُتَّخَذَ مسجدًا] (١).

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه (١/ ٤٤٤) في الصلاة، ومسلم (٥٣١) في المساجد ومواضع الصلاة، من حديث عائشة رضي الله عنها.


الصفحة التالية
Icon