شيء من حاله أو ولده أو ماله، فليقل: ﴿مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾. وهذا مأخوذٌ من هذه الآية الكريمة).
قلت: والسياق في الآيات لا يدل على هذا التأويل، فإن الآية في موضع الردّ من المؤمن على تنطع الكافر وغروره وعجبه، حيث دخل جنته وهو ظالم لنفسه بكبره وكفره وقوله ما أظن أن تبيد هذه أبدًا وما أظن الساعة قائمة، فأجابه المؤمن بأن الأصل في ذلك الإخبات لله الخالق الأحد الصمد، ونَسْبُ كل وجود إلى مشيئته وإرادته سبحانه، فكان الأَوْلى إذ دخلت جنتك أقررت بأن وجودها وبقاءها ما كان إلا بمشيئة الله، وأن ما اجتمع لك من المال والثمر والبناء والإعمار فهو بتوفيق الله وقوته وتأييده. وأما خشية العين عند النظر إلى بديع المال والجمال فقد أرشدنا رسول الله - ﷺ - إلى التبريك، وهو الدعاء بالبركة. وبذلك جاءت الأحاديث الصحيحة:
الحديث الأول: أخرج الإمام أحمد بسند صحيح من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدثه: [أن رسول الله - ﷺ - خرج وساروا معه نحو مكة، حتى إذا كانوا بشعب الخرّار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف، وكان رجلًا أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة أخو بني عدي بن كعب وهو يغتسل فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة (١)، فلبط سهل، فَأُتيَ رسول الله - ﷺ - فقيل له: يا رسول الله هل لك في سهل! والله ما يرفع رأسه ولا يفيق، قال: هل تتهمون فيه من أحد؟ قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة، فدعا رسول الله - ﷺ - عامرًا فتغيظ عليه وقال: علام يقتل أحدكم أخاه، هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت؟ - ثم قال - اغتسل له. فغَسَل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه فصبّه رجل على رأسه وظهره من خلفه، ثم يكفأ القدح وراءه، ففعل ذلك فراح سهل مع الناس ليس به بأس] (٢).
وفي لفظ في الموطأ: [علامَ يقتل أحدكم أخاه؟ ألا برّكت إن العين حق. توضأ له، فتوضأ عامر، فراح سهل مع رسول الله - ﷺ - ليس به بأس].

(١) المخبأة: العروس العذراء التي لا تظهر على الناس، وفي لفظ عند مالك في الموطأ: "ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء".
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند، ومالك في الموطأ، انظر تخريج المشكاة (٤٥٦٢)، وصحيح الجامع الصغير - حديث رقم - (٣٩٠٨)، وتفصيل هذا البحث في كتابي: منهج الوحيين في معالجة زلل النفس وتسلط الجن (٣٣٥).


الصفحة التالية
Icon