هارون التي قصت أثر موسى، ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١١)﴾ [القصص: ١١]، فقول خطأ محض بعيد كل البعد عن الصحة.
ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي اللهُ عَنْهُ قال: سمعتُ رسول الله - ﷺ - يقول: [أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياءُ أولاد علّات، ليْسَ بيني وبينهُ نبيّ] (١).
وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة قال: [لما قَدِمْتُ نَجْرانَ سألوني، فقالوا: إنكم تقرؤون: " ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ﴾ وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، فلما قدمتُ على رسول الله - ﷺ -: سألته عن ذلك، فقال: "إنهم كانوا يُسَمُّون بأنبيائهم والصالحين قبلهم"] (٢).
قال النسفي: ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ﴾ وكان أخاها من أبيها ومن أفضل بني إسرائيل، أو هو أخو موسى عليه السلام وكانت من أعقابه وبينهما ألف سنة، وهذا كما يقالُ: يا أخا همدان أي يا واحدًا منهم). وقال ابن جرير: (وقوله: ﴿مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ﴾ يقول: ما كانَ أبوك رجل سوء يأتي الفواحش ﴿وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ يقول: وما كانت أمك زانية).
وقوله: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾. قال قتادة: (أمرتهم بكلامه). وقال وهب بن منبه: (أشارت إليه أن كلموه).
وقوله: ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾. أي كيف يتكلم ويفصح من كان في مهده في الصغر؟ !.
قال ابن كثير: (أي: إنهم لما استرابوا في أمرها واستنكروا قصَّتَها، وقالوا لها ما قالوا معرّضين بقذفها ورَمْيها بالفرية، وقد كانت يومَها ذلكَ صائمةً صامتةً، فأحالت الكلام عليه، وأشارت لهم إلى خطابه وكلامهِ، فقالوا: مُتَهَكِّمين بها، ظانِّين أنها تَزْدري بهم وتلعب بهم: ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾.
وقوله: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾.
هو أول كلام نطق به عيسى عليه الصلاة والسلام، فنَزَّه جناب ربه تعالى، وبرّأ الله سبحانهُ عن الولد، وأثبت لنفسهِ العبودية لربه عز وجل. قال القرطبي: (فكان أوّل
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (٢١٣٥) كتاب الآداب، والترمذي في الجامع (٣١٥٥)، وأحمد في المسند (٤/ ٢٥٢)، وغيرهم.