قال ابن كثير: (أي: ولم يجعلني جبارًا مستكبرًا عن عبادته وطاعته وبرِّ والدتي، فأشقى بذلك).
قال سفيان الثوري: (الجبّار الشقي: الذي يُقبل على الغضب). وقال بعض السلف: (لا تجدُ أحدًا عاقًّا لوالديهِ إلا وجدته جَبَّارًا شقيًّا، ثم قرأ: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾، قال: ولا تجدُ سَيِّئَ الملكة إلا وَجَدْتَهُ مُختالًا فَخورًا، ثم قرأ: ﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء: ٣٦]- ذكره ابن جرير في "التفسير".
وقوله تعالى: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾.
فيه إثبات العبودية -من عيسى عليه السلام- مرة أخرى لله العظيم، تأكيدًا ودحضًا لما سيكون من الاعتداء في ذلكَ من بعده، فهو مخلوق كغيره له ثلاثة أيام من دهره: يوم ولادته، ويوم موته، ويوم بعثه من قبره ليقوم بين يدي ربه، وهو يرجو رحمة الله تعالى وسلامته وأمنه في هذه الأحوال الثلاثة.
٣٤ - ٣٧. قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧)﴾.
في هذه الآيات: تبيانُ الله خبر عيسى على الحقيقة، وتنزيه نفسه تعالى عن الولد، وبيانُ أنّ أمرَه إذا أرادَ شيئًا أن يقول له كن فيكون، وإثبات من عيسى عليهِ السلام الربوبية والألوهية لله وحده، ودعوة قومه إلى إفراده تعالى بالعبادة وذلكَ هو الصراط المستقيم.
وذِكرُ اختلاف الناس في شأنه، وتوعّد للكافرين، مشهد يوم عظيم.
فقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ - أي يختصمون ويختلفون.
قال القرطبي: (أي ذلكَ الذي ذكرناه عيسى ابن مريم فكذلك اعتقدوه). وقال