العذاب الأليم، وتمرد آزر على الحق واعتزال إبراهيم، وإكرام الله له بإسحاق ويعقوب في الأنبياء والمرسلين، وإعلاؤه تعالى في الأرض ذكر خليله إبراهيم.
فقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا﴾.
قال القرطبي: (ومعنى الآية: اقرأ عليهم يا محمد في القرآن أمر إبراهيم فقد عرفوا أنهم من ولده، فإنه كان حنيفًا مسلمًا وما كان يتخذ الأنداد، فهؤلاء لم يتخذون الأنداد؟ ! وهو كما قال: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ [البقرة: ١٣٠]).
وقوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾.
قال ابن جرير: (يقول: اذكره حين قال لأبيه: ﴿يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ﴾ ويقول: ما تصنع بعبادة الوثن الذي لا يسمع ﴿وَلَا يُبْصِرُ﴾ شيئًا ﴿وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ يقول: ولا يدفعُ عنكَ ضرّ شيء، إنما هو صورة مصوّرة لا تضرّ ولا تنفع. يقول: ما تصنع بعبادة ما هذه صفته؟ اعبد الذي إذا دعوته سمع دعاءكَ، وإذا أحيط بك أبصركَ فنصرك، وإذا نزل بك ضرّ دفع عنك).
وقوله تعالى: ﴿يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾.
قال ابن كثير: (يقول: فإنْ كنتُ من صُلْبِكَ وترى أني أصغر منكَ، لأني ولدُكَ، فاعلم أني قد اطّلعتُ من العلم من الله على ما لم تَعْلَمهُ أنتَ ولا اطّلعتَ عليهِ ولا جاءكَ بعد، ﴿فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾ أي: طريقًا مستقيمًا موصلًا إلى نيل المطلوب، والنجاة من المرهوب).
وقوله: ﴿يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾.
قال النسفي: ﴿يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ﴾ لا تطعه فيما سوّل من عبادة الصنم ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾ عاصيًا). والعصي هو ذو العصيان، كما العليم هو ذو العلم- كذا في كلام العرب.
وقوله تعالى: ﴿يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾.
هو نصيحة إبراهيم عليه الصلاة والسلام لوالده، أنْ أصغ إلى الوحي تنجُ ولا تكن للشيطان وليًا. إني أخافُ أن تنال عذاب النار كما ينتظر إبليس فإنه كان للرحمن عصيًا.
قال ابن جرير: (والخوف في هذا الموضع بمعنى العلم، كما الخشيةُ بمعنى العلم في قوله: ﴿فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾).


الصفحة التالية
Icon