فيكون المعنى: يا أبتِ إني أعلم أنكَ إن متّ على عبادة الشيطان أنه يمسكَ عذاب من عذاب الله فتكون وليًا للشيطان دون الله فتهلك.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾.
قال ابن كثير: (يعني إن كنت لا تريد عبادتها ولا ترضاها؟ فانته عن سَبِّها وشَتْمِها وعَيْبها، فإنك إن لم تنتهِ عن ذلك اقتصصتُ منكَ وشتمتُكَ وسَبَبْتُكَ وهو قوله: ﴿لَأَرْجُمَنَّكَ﴾).
وعن السدي: (﴿لَأَرْجُمَنَّكَ﴾ قال: بالشتيمة والقول). وقال ابن جريج: (بالقول، لأشتمنّكَ) وقال له: ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ فيه معنيان محتملان:
المعنى الأول: قال الحسن: (واهجرني زمانًا طويلًا). أي: اهجرني حينًا طويلًا ودهرًا.
المعنىُ الثاني: قال ابن عباس: (اجتنبني سويًّا). وفي رواية: (اجتنبني سالمًا قبل أن يصيبكَ مني عقوبة).
فيكون المعنى على هذا التأويل: واهجرني سويًّا سالمًا من عقوبتي إياك، ووَجَّهوا معنى المليّ إلى الاضطلاع والغنى، فإن العرب تقول: فلان مليّ في هذا الأمر: إذا كان مضطلعًا به غنيًّا فيه. والتقدير: واهجرني وعرضُك وافر من عقوبتي وجسمكَ معافى من أذاى.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾.
قال ابن عباس: (لطيفًا). والحفي في لغة العرب اللطيف.
والمعنى: أجاب إبراهيم - ﷺ - والده آزر: أما أنا فستكون في سلام مني لشرف الأبوة وحرمةِ بِرِّ الوالدين، فلا ينالكَ مني أذى أو مكروه، وسأسأل الله العظيم أن يَهْديكَ ويغفر لك، إنه كانَ بني رحيمًا لطيفًا أن هداني للحق وإخلاص العبادة له.
وقوله تعالى: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾.
هو مدح من الله سبحانهُ لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، إذ وقف على ثوابت المنهج الصائب منهج الحق، فقال لأبيه وقومه المستهزئين المستكبرين المعاندين المصرّين على الشرك والظلم: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي: وأعتزلكم وشرككم