فقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾.
النفحة: النصيب والحظ. قال الرازي: (ونَفْحَةٌ من العذاب: قِطْعةٌ منه). وقال قتادة: (يقول: لئن أصابتهم عقوبة). والمعنئ: ولئن نزل بهؤلاء المكذبين قطعة من عذاب الله لرأيتهم يعترفون بذنوبهم ويقرّون أنهم كانوا في هذه الحياة الدنيا ظالمين.
وقوله: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾.
قال ابن كثير: (أي: ونضع الموازين العَدْل ليوم القيامة. الأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد، وإنما جمع باعتبار تعدّد الأعمال الموزونة فيه).
قلت: ويؤيد هذا ما روى الحاكم بسند صحيح عن سلمان، عن النبي - ﷺ - قال: [يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعت، فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا؟ فيقول الله تعالى: لمن شئت من خلقي، فتقول الملائكة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، ويوضع الصراط مثل حد الموسى، فتقول الملائكة: من تجيز على هذا؟ فيقول: من شئت من خلقي، فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك] (١).
وفي جامع الترمذي بسند صحيح عن عائشة: [أن رجلًا قعد بين يدي رسول الله - ﷺ -، فقال: يا رسول الله: إن لي مَمْلوكين، يكذبونني، ويخونونني، ويعصونني، وأشتمهم وأضربهم، فكيف أنا منهم؟ قال: "يُحْسَبُ ما خانوكَ وعَصَوْكَ وكَذَّبوك، وعِقابُكَ إيَّاهم، فإن كان عقابُك إياهم بِقَدْرِ ذنوبهم كان كَفافًا لا لَكَ ولا عليكَ، وإنْ كانَ عقابُك إياهم دونَ ذنوبهم كان فَضْلًا لك، وإنْ كان عقابُك إياهم فوقَ ذنوبهم اقْتُصَّ لهم مِنْكَ الفَضْلُ".
قال: فتنحّى الرجل، فجعل يبكي ويهتف، فقال رسول الله - ﷺ -: "أما تَقْرأ كِتابَ الله: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ الآية.
فقال الرجل: والله يا رسول الله، ما أجد لي ولهم شيئًا خيرًا من مفارقتهم، أشهدك أنهم أحرار كلهم] (٢).
(٢) صحيح الإسناد. انظر صحيح سنن الترمذي (٢٥٣١) - كتاب التفسير - سورة الأنبياء.