قال ابن كثير: (وجامعُ القول في ذلك أن الكتب السماوية تَشتمِلُ على التفرقة بين الحق والباطل، والهُدى والضلال، والغَيِّ والرشاد، والحلال والحرام، وعلى ما يحصُل نورًا في القُلوب، وهدايةً وخوفًا وإنابةً وخشية، ولهذا قال: ﴿الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي: تذكيرًا لهم وعظة).
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾.
يشتمل على ركني النجاة: خشية الله بالغيب، والعمل والاستعداد للقائه يوم القيامة. فالإيمان: قول وعمل. والقول قولان: قول القلب وقول اللسان. والعمل عملان: عمل القلب وعمل الجوارح.
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الملك: ١٢].
٢ - وقال تعالى: ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ [ق: ٣٣].
وقوله: ﴿وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾. أي: خائفون وجلون حذرون.
أخرج أبو نعيم في "الحلية" بسند حسن في الشواهد عن شداد بن أوس أن رسول الله - ﷺ - قال: [قال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمْنَين ولا خوفين، إنْ هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي] (١).
وقوله تعالى: ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾. قال قتادة: (أي هذا القرآن).
أي: أفأنتم معشر العرب منكرون لهذا القرآن المبارك الذي أنزله الله تعالى على محمد - ﷺ - كما أنزل التوراة من قبل على موسى عليه الصلاة والسلام، وهو الكتاب المعجز الذي لا يأتيه الباطل عن بين يديه ولا من خلفه، وفيه ذكر أخبار الأمم وأخبار ما يجري وما سيكون إلى يوم القيامة، وأخبار كل شيء، فكيف تنكرونه وهو في هذه الغاية من الجلاء والوضوح والبيان والإعجاز.
٥١ - ٥٦. قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ