آنست نارًا لعلي آتيكم منها بشهاب من نار أو أجد عندها ما يدلني على الطريق. فلما اقترب من النار ناداه ربه تعالى بأجمل العبارات، وبشره بالنبوة وأمره بعبادته وإقام الصلوات، وأكّد له أمر الساعة ليحذر الناس من مغبة الوقوع في الشرك والآثام والموبقات.
فقوله تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾. تسلية من الله لرسوله - ﷺ - عما يلقاه من أعدائه المشركين. أي هل أتاك - يا محمد - خبر موسى. قال النسفي: (ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة بالصبر على المكاره ولينال الدرجة العليا كما نالها موسى).
وقوله: ﴿إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾. قال ابن عباس: (لما قضى موسى الأجل، سار بأهله فضلّ الطريق. قال: كان في الشتاء، ورُفعت لهم نارٌ، فلما رآها ظن أنها نار، وكانت من نور الله ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾.
يروي ابن جرير عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه اليمائي: (لما قضى موسى الأجل، خرج ومعه غنم له، ومعه زند له، وعصاه في يده يهشّ بها على غنمه نهارًا، فإذا أمسى اقتدح بزنده نارًا، فبات عليها هو وأهله وغنمه، فإذا أصبح غدا بأهله وبغنمه، فتوكأ على عصاه، فلما كانت الليلة التي أراد الله بموسى كرامته، وابتداءه فيها بنبوته وكلامه، أخطأ فيها الطريق حتى لا يدري أين يتوجه، فأخرج زنده ليقتدح نارًا لأهله ليبيتوا عليها حتى يصبح، ويعلم وجه سبيله، فأصلد زنده فلا يوري له نارًا فقدح حتى أعياه، لاحت النار فرآها، ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾).
وقوله: ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ﴾. أي لعلي أجيئكم من النار بشعلة. والقبس في كلام العرب: النار في طرف القصبة أو العود.
وقوله: ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾. قال ابن عباس: (يقول: من يدلّ على الطريق).
وقال قتادة: (من يهديني إلى الطريق).
وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾. أي: فلما أتى النار موسى ناداه ربه، إني أنا ربك فاخلع نعليك وأفض بقدميك إلى بركة الوادي. قال مجاهد: (أمر أن يباشر بقدميه بركة الأرض). وقال ابن أبي نجيح: (في قوله: ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ يقول: أفض بقدميك إلى بركة الوادي). وعن ابن عباس: (قوله: ﴿طُوًى﴾: هو اسم للوادي).


الصفحة التالية
Icon