الظَّالِمِينَ} أي لجرأته على إهانتها وهي الجديرة عندهم بالتعظيم. أو لإفراطه في التجذيذ والحطم، وتماديه في الاستهانة بها. أو بتعريض نفسه للهلكة. والاستفهام للإنكار والتوبيخ والتشنيع).
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾. أي: سمعنا فتى يعيبهم يقال له إبراهيم.
قال ابن جريج: (يذكرهم يعيبهم). وقال ابن إسحاق: (سمعناه يسبها ويعيبها ويستهزئ بها، لم نسمع أحدًا يقول ذلك غيره، وهو الذي نظن صنع هذا بها).
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾. أي: أحضروه على مرأى الناس ليشهدوا عقوبته.
قال ابن إسحاق: (﴿لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾: أي ما يصنع به). قال ابن كثير: (وكان هذا هو المقصود الأكبر لإبراهيم عليه السلام، أن يُبَيِّنَ في هذا المحفل العظيم كثرة جهلهم وقلة عقولهم في عبادة هذه الأصنام، التي لا تدفع عن نفسها ضَرًّا، ولا تستطيع لها نصرًا، فكيف يُطلَبُ منها شيءٌ من ذلك).
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ (٦٢) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾.
أي: سألوه في مشهد الناس أحقًّا أنت الذي فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ ! - وإنما أرادوا إقامة البينة عليه ثم عقوبته أمام الملأ ليكون عبرة لمن يعتبر - فكادهم صلوات الله وسلامه عليه بإجابة ذكية بأن نسب الفعل إلى كبيرهم ليضعهم أمام تفاهة منهجهم في التفكير والعبادة. قال قتادة: (قوله: ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾... الآية، وهي هذه الخصلة التي كادهم بها). وقال ابن إسحاق: (غضب من أن يعبدوا معه هذه الصغار وهو أكبر منها، فكسرهن).
قال القرطبي: (إن كانوا ينطقون فاسألوهم. فعلق فعل الكبير بنطق الآخرين، تنبيهًا لهم على فساد اعتقادهم. كأنه قال: بل هو الفاعل إن نطق هؤلاء. وقيل: بيّن أن من لا يتكلم ولا يعلم لا يستحق أن يعبد).
ولا شك أن قول إبراهيم - ﷺ - ذلك من المعاريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب.