وقوله تعالى: ﴿قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ﴾.
قال ابن إسحاق: (يقول: ألا ترون أنهم لم يدفعوا عن أنفسهم الضر الذي أصابهم، وأنهم لا ينطقون فيخبرونكم من صَنَعَ ذلكَ بهم، فكيف ينفعونكم أو يضرون).
والمقصود: أنَّ إبراهيم - ﷺ - استفاد من حيرتهم وعجزهم عن تفسير الموقف بأَنْ واجههم بفساد المنهج الذي هم عليه: كيفَ تعبدون من لا ينطقُ ولا يضر ولا ينفع؟ !.
وقوله تعالى: ﴿أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.
قال ابن جرير: (يقول: قُبحًا لكم وللَالهة التي تعبدون من دون الله، أفلا تعقلون قبح ما تفعلون من عبادتكم ما لا يضرُ ولا ينفعُ، فتتركوا عبادته، وتعبدوا الله الذي فطر السماوات والأرض، والذي بيدهِ النفع والضر).
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾.
قال ابن إسحاق: (أجمع نمرود وقومه في إبراهيم فقال: ﴿حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ أي: لا تنصروها منه إلا بالتحريق بالنار إن كنتم ناصريها).
فبنوا له بنيانًا، وأوقدوا فيهِ نارًا، ثم ألقوهُ في النار. فقال إبراهيم عند ذلكَ: "حسبي الله ونعم الوكيل".
ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي اللهُ عَنْهُما قال: [﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾، قالها إبراهيم - ﷺ - حين ألقي في النار، وقالها محمد - ﷺ - حين قالوا: إنَّ الناسَ قد جَمَعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل] (١).
وفي رواية له عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [كانَ آخِرَ قول إبراهيم - ﷺ - حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل].
وقوله تعالى: ﴿قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾.
قال ابن جريج: (قوله: ﴿بَرْدًا﴾ قال: بردت عليه ﴿وَسَلَامًا﴾ لا تؤذيه).
قلت: وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لنبيِّه وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ومعجزة باقية في ذكراها تتلوها الأجيال المتعاقبة على مرّ الدهور والأزمان. فإن الصدق