وفي التنزيل:
﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾ [ص: ٣٧ - ٣٨].
أي بعض الشياطين في غوص في أعماق البحار، يستخرجون له الجواهر واللآلئ، وبعضهم في البناء، وبعضهم في الصناعة، والكل تحت أمره وسلطانه.
وقوله: ﴿وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾. أي: لأعدادهم وتحركاتهم وأعمالهم.
قال ابن كثير: (أي: يحرسُه اللهُ أن ينالَه أحد الشياطين بسوء بل كلٌّ في قبضته وتحت قهره، لا يتجاسرُ أحد منهم على الدُّنُوِّ إليهِ والقربِ منه، بلِ هو يحكم فيهم إن شاء أطلقَ، وإن شاءَ حَبَسَ منهم من يشاء. ولهذا قال: ﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾).
٨٣ - ٨٤. قوله تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (٨٤)﴾.
في هذه الآيات: يقول جل ثناؤه: واذكر يا محمد أيوبَ إذ نادى ربه إثر الضر والبلاء الذي نزل بهِ، ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾، فاستجاب الله له وكشف ما مسّهُ من ضر وجهد وبلاء، وأكرمه بأن آتاهُ أهله في الآخرة ومثلهم معهم في الدنيا رحمة منه سبحانه وعبرة لأهل الصبر على الحق وآلام الطريق.
وعن نوف البِكَاليِّ قال: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ﴾ قال: أوتيَ أجْرَهم في الآخرة، وأعطي مثلهم في الدنيا).
أخرج أبو يعلى في "المسند" وأبو نعيم في "الحلية" بسند جيد عن أنس بن مالك مرفوعًا: [إنَّ نبيَّ الله أيوب - ﷺ - لبث بهِ بلاؤهُ ثمان عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من إخوانهِ كانا يغدوانِ إليهِ ويروحان، فقال أحدهما لصاحبهِ ذات يوم: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبهُ أحدًا من العالمين، فقال لهُ صاحبه: وما ذاكَ؟ قال: منذ ثمان عشرة سنة لم يرحمهُ الله فيكشف ما به، فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكرَ ذلك له، فقال أيوب: لا أدري ما تقولان غير أن الله تعالى يعلم أني كنتُ أمر بالرجلين يتنازعان، فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهيةَ أن يذكر الله إلا في حق، قال: وكان يخرجُ إلى حاجتهِ فإذا قضى حاجتهُ أمسكتهُ امرأتهُ بيده حتى يبلغ،